كفرهم بالآخرة ، حيث قالوا : كيف نعود أحياء بعد أن نصير ترابا؟ فذكّرهم الله بأصل خلقتهم (التراب) لبيان أنّه تعالى قادر على إعادتهم بشرا أسوياء بعد أن يصيروا ترابا. ولعلّ الآية تقرير بأنّ جذر ذلك التمني والكفر راجع إلى طبيعة الإنسان الترابية وجانب الظلام في وجوده.
[٤٠ ـ ٤١] ويعالج الله موقف الكفّار من وعده وعذابه الواقع بالردّ على تحديهم للحق وسؤالهم عن العذاب ، وذلك من خلال تذكيره بحقيقتين :
الأولى : طبيعتي الجهل والضعف عند الإنسان ، واللتان تجعلان تحديه في غير محلّه ، فإنّه لو اطلع على عذاب ربه وعرف قدر خالقه لما ساقه الكفر والتحدي.وما عسى أن يكون وهو المخلوق الضعيف حتى يتحدى خالقه ، ويسأله إنزال عذابه عليه تكذيبا وهزوا؟! وإلى هذه الحقيقة تشير الآية (٣٩).
الثانية : قدرة الله المطلقة وحكمته النافذة ، فهو قادر لو أراد أن يهلك الكفّار ويمحوهم من الوجود ، ولكنّه حكيم لا يفعل ذلك .. ومن تحسّس هاتين الصفتين لله ينبغي الإيمان بالآخرة وخشية العذاب.
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ)
وأول سؤال يفرض نفسه : ماذا تعني المشارق والمغارب؟ يجيب الإمام أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ عن ذلك عند ما وجّه ابن الكوّا تهمة التناقض إلى القرآن ، فقال له ـ عليه السلام ـ : ثكلتك أمك يا ابن الكوّا! هذا المشرق وهذا المغرب (مشيرا بيده إلى الجهتين) ، وأمّا قوله : «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» فإنّ مشرق الشتاء على حده ومشرق الصيف على حده ، أما تعرف بذلك من قرب الشمس وبعدها؟! وأمّا قوله : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) فإنّ لها ثلاثمائة وستين