برجا ، تطلع كلّ يوم من برج ، وتغيب في آخر ، فلا تعود إليه إلّا من قابل في ذلك اليوم (١).
وعن ابن عبّاس قال : «للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه ، ومغرب تغرب فيه ، غير مطلعها وغير مغربها بالأمس» (٢).
والعلاقة واضحة بين إشارة الله إلى آية المشارق والمغارب الكونية ، وبين تأكيده على أنّه قادر على التبديل ، ذلك أنّ تبدّل المشارق والمغارب اليومي ـ هذه الحركة الكونية ـ آية من آيات قدرته تعالى على التبديل ، وأنّ الخلق والأمر إليه ؛ بحيث لو أراد الردّ على تحدي الكفّار بإنزال عذابه لفعل فأهلكهم ، وأتى بغيرهم خيرا منهم ، لا يعجزه شيء أبدا.
والسؤال الثاني : لماذا قال ربنا : «خيرا منهم»؟ لعل الجواب : أنّ سنّة هلاك الأمم الغابرة قائمة على أساس أنّ الأمّة الناشئة البديلة تكون أفضل لقربها من فطرة الخلق ، وعدم تلوّثها بعوامل الفساد والزيغ. لقد أهلك الله قوم نوح ، وطهرت الأرض جميعا من فسادهم وزيفهم ، وأنشأ من بعدهم قوما صالحين (هم ذرية الناجين في السفينة) ، ثم أهلك فرعون وقومه واستعمر بلادهم بنو إسرائيل ، وكانوا أمّة مؤمنة .. وهكذا لا يكون خلق الله إلّا صالحا ، كما قال ربنا سبحانه : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
(وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
أي لا يسبقنا شيء ، ولا يعجزنا أحد ، ولم نمارس في أمر الخلق لغوبا ولا
__________________
(١) الإحتجاج / ج ٢ ـ ص ٢٥٩.
(٢) الدر المنثور / ج ٦ ـ ص ٢٦٧.