فيذهبوا بكلّ خلاقهم ، ويتمادوا في الذنوب حتى يأتوا في الآخرة لا خلاق لهم ، وقد فعلوا ما يستحقّون به المزيد من العقاب والعذاب ، فإنّ فرصتهم أنّى بدت طويلة فهي محدودة بالدنيا.
(حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)
يعني يوم الجزاء عند ما يلاقون الإذلال والعذاب. ومن مصاديقه يوم يتوفّاهم الله. أوليس إذا مات ابن آدم قامت قيامته؟ أوليس الموت يضع حدّا لخوضهم ولعبهم؟
وأصل الخوض دخول الماء ، يقال : خاض بالفرس إذا أورده الماء ، والغمرات اقتحمها ، وكذا المهالك (١) ، ولعلّه الدخول في الشيء بالكامل ، وخوض الكافرين هو دخولهم في الذنوب واتباعهم الأهواء والشهوات مسترسلين بلا ضوابط أو حدود. واللعب كل ما يقدم عليه الإنسان بأهداف شهوانية تافهة. وقول الله تعالى : «فذرهم» هو تحديد لموقف الرسول ومن يتبعه تجاه الفريق المذكور من الكافرين ، ولا يعني ذلك أن يعتزل الرساليون ساحة الجهاد والعمل في سبيل الله ، بلى. إنّهم من الناحية الدينية العقائدية ليسوا مسئولين عن دعوتهم لقبول الحق والإيمان بالآخرة عن طريق الجبر ، بل يتركونهم فالخيار لهم ، كما لا ينبغي أن يذهبوا أنفسهم حسرات على عدم إيمانهم واختيارهم طريق النار. هذا من جانب ، ومن جانب آخر يجب أن لا تدعوهم تحديات الأعداء واستفزازاتهم إلى التعجّل بردّات الفعل غير المدروسة ، وإنّما يجب أن يصبروا صبرا جميلا ، في الوقت الذي يواصلون فيه مسيرة الجهاد ، حسبما يوحي إليه السياق العام لهذه السورة الكريمة.
__________________
(١) المنجد مادة خوض بتصرف.