البدائل الحضارية الثلاثة (اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) مما يؤكد ان التفكير في البدائل من قبل المصلحين لا يقلّ أهمية عن التفكير في جذور التخلف ، بل إنه الأهمّ ، إذ كيف يعرف الناس أن المسيرة تكون الى الأمام بعد هدم الواقع إذا لم تكن البدائل مطروحة بوضوح كاف؟ ولقد جسّد نوح (ع) هذه القيمة في حركته فأكد : ان تحكيم القانون الالهي (بعبادة الله) والذي لا يتم إلّا (بالتقوى) وتطبيق تفاصيل النظام الاجتماعي من جهة ، والطاعة للقيادة الرسالية من جهة أخرى هو البديل القويم للوضع الفاسد ، ومن ثم السير بالمجتمع نحو الحياة الأفضل.
ونستطيع القول : أن عبادة الله بديل للأصول المنحرفة ، والتقوى بديل للفروع الخاطئة ، والطاعة للقيادة الرسالية من أجل إصلاح الممارسات اليومية السلبية ، وبالتعبير القانوني الحديث تمثل عبادة الله الدستور (الخطط الاصولية العامة) وتمثل التقوى القانون (مجموعة القوانين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و.. و..) ، وتمثل الطاعة للقيادة اللوائح (مفردات الأمور والتطورات) ومن هنا قال بعض المفسرين : وفي الآية ندب الى أصول الدين الثلاثة : التوحيد المشار اليه بقوله : «اعْبُدُوا اللهَ» والمعاد الذي هو أساس التقوى ، والتصديق بالنبوة المشار اليه بالدعوة الى الطّاعة المطلقة (١).
وفي قول نوح ـ عليه السلام ـ : (وَأَطِيعُونِ) دلالة واضحة واكيدة على ضرورة بل وجوب أن يطرح القائد المصلح نفسه بديلا للقيادة المنحرفة ، لأنه ما دام قادرا على تخليص المجتمع من بليته فهو مسئول عن النهوض بمهمته ودوره ، وفي الإسلام تفريق بين حب الرئاسة الذي يبغضه الله ، وطموح الإمامة الذي يندب اليه
__________________
(١) تفسير الميزان عند الآية.