الثاني : أنه تعالى لا يريد أن يعطي أحدا صكّ الأمان المطلق حتى لا يغتر بإيمانه وعمله ، إنما يوازن فيه الخوف إذ من الممكن انه لم يغفرها ، والرجاء بما غفر له ، ويعبر القرآن عن هذه المنهجية الالهية بصورة أخرى مثل : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والتي تفيد الترجي لا القطع.
الثالث : وإذا فسرنا الغفران بأنه محو الآثار السلبية للذنب ، فانه يمكننا القول : بأن لبعض الذنوب آثارا واقعية لا تنمحي بمجرد الإيمان ، بل يمحو الله ما يترتب عليها من الآثار الأخروية وبعض الآثار الدنيوية السيئة.
وقيل المعنى : يغفر لكم ذنوبكم السالفة ، وهي بعض الذنوب التي تضاف إليهم ، فلما كانت ذنوبهم التي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها مطلقا ، لما في ذلك من الإغراء بالقبيح. (١)
ولأن الأجل الذي ينتظر قوم نوح مترتب على منهجهم الخاطئ في الحياة ، وبالتالي ذنوبهم الفظيعة ، فان عدولهم الى المنهج الرسالي سوف يجنبهم الأخطاء ، ومن ثم يؤخر أجلهم الى مدته الطبيعية أو أكثر وهذا من أعظم الأهداف التي ينشدها الأنبياء باعتبارهم يأتون منقذين.
ومن قوله تعالى : (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) نهتدي الى ان للإنسان (فردا أو أمة) اجلين : أجل حتمي وآخر معلق ، فاما الحتمي فهو الأجل الاعتيادي الذي يوافيه كل فرد فرد عند انتهاء مدته المقدرة له بالموت بعد ستين سنة ، أو سبعين أو أقل أو أكثر ، وأما المعلق فهو الأجل الذي يكتب للمجتمعات بسبب من الأسباب سلبا بتقصير الأجل المسمى نتيجة الذنوب ، وإيجابا بمدّه وإطالته نتيجة الأعمال الصالحة جاء في الحديث عن الصادق (ع) في تفسير قوله : «ثم قضى أجلا وأجل
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٣٤