الجن كما الإنس يبتدعون لهم تشريعات غير هدى الله وآياته ، وأنّ القرآن جاء بديلا عن مناهجهم الضالة ، وعلاجا لكلّ انحراف في حياتهم .. فهو رسالة الله للعالمين إنسا وجنّا.
وإذا فسّرناه بالخضوع لغير حاكمية الله ، فإنّ الآية الرابعة بالذات تدل على أنّ الجن ـ كما نحن ـ مبتلون بالحكّام السفهاء والأنظمة الفاسدة ، وأنّ رسالة الله التي تهدف الهداية إلى الرشد وغايته التوحيد تهدف قبل كلّ شيء إلى تحرير المجتمعات إنسية وجنّيّة من ربقة الطواغيت والحكومات الظالمة (الحاكميات السفيهة).
الرابعة : أنّ أصل أكثر الأفكار الشركية ـ كما تقدّم القول ـ وأصل قبول استعباد السلطات المنحرفة ، وأصل التمييز العنصري وغيره ، يعود إلى الزعم بولادة الله ، ومن ثمّ وجود شيء أو شخص أقرب من شيء أو شخص قربا ذاتيّا إلى الله عزّ وجلّ.
[٥] ويوصل السياق كلام النفر عن طبيعتهم بما يكشف لنا واقع الجن.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً)
ولعلّ الظن هنا يعني العلم ، ولكن ليس العلم القائم على الحجة والبرهان ، وإنّما هو العلم المتأسّس على التصوّر المجرد. والآية تبيّن صفتين سلبيتين كانتا وراء تورّطهم في الضلال :
الأولى : السذاجة المغرقة إلى حدّ الوثوق في الآخرين وتصديقهم فيما يقولون ، بحمل ما يصدر عنهم على محمل الصدق والصواب.
الثانية : التقليد الأعمى للآخرين ، قال العلّامة الطبرسي معلّقا على الآية :