برحمته.
(لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)
ولعلّنا نهتدي هنا إلى فكرة تشريعية هامة هي : أنّ تشريع الطلاق من قبل الله عزّ وجل ينبغي أن لا يتنكر له البشر ، أو يلغوه من قائمة القوانين الاجتماعية ، لأنّه إذا يرى في موارده الموضوعية وضمن الحدود الإلهية فإنّه يعود على المجتمع بالنفع ، فإذا بتلك الروابط الضعيفة تصير متينة جدا ، وتنتهي المشاجرات وأسباب الخلاف ، ويزداد الحب بين الطرفين فلا يفكّرا إلّا في المزيد من التلاحم بعد أن ذاقا طعم الفراق بينهما ، وبعبارة : يحدث تحوّل إيجابي في الروابط الزوجية والأسرية بسببه. ومعرفة الإنسان أنّه مكره على قبول زوجته لا يبعث فيه التطلع إلى تطوير علاقته معها وتنمية حبه لها بل يجعلها وكأنّها شر لا بد منها.
وإذا انقضت العدة هنالك لا يسمح له بأن يذرها كالمعلّقة انتقاما كما يفعل أهل الجاهلية الذين لا يؤمنون بحدّ ولا قيمة في العلاقة الزوجية سوى الهوى والشهوة ، كلّا .. إنّه مخيّر بين أمرين لا ثالث لهما ، فأمّا أن يرجع إلى العلاقة الطبيعية مع أهله والتي شعارها المعروف (الحب والاحترام والعقلانية) ، وأمّا الفراق والانفصال بالمعروف (بعيدا عن التشفّي والأذى وسوء الخلق). ويقدّم القرآن خيار الرجوع ترجيحا له على الفراق لأنّ الله يريد خير الأسرة والمجتمع والحفاظ على كيانهما بالحفاظ على تماسكهما من خلال العلاقات الوطيدة التي منها العلاقات الزوجية.
(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
واستخدام القرآن تعبير أمسكوا يؤكد على أنّ الطلاق في الإسلام قبل انتهاء العدة لا يعني إنهاء العلاقة الزوجية وطرد الزوجة من أسرتها ، إنما يبقى كل شيء