أن أطفىء عنكم هذه النار فليقم معي منكم من كل بطن رجل ، فقام معه عشرة رجال وكنت أحدهم حتى أتى القليب ، فخرج منه عنق من النار ثم استدار علينا حتى صرنا في مثل كفة الميزان ، فجعلنا نتقيها بالعصي حتى احترقت ، ثم بالعمائم حتى احترقت ، فقلنا له : يا خالد أهلكتنا ، قال : كلا إنها مأمورة وإني مأمور ، ثم جعل يضربها بعصاه وهو يقول : بدّا ، كل حق لله مؤدى ، أنا عبد الله الأعلى ، فلم يزل يضربها حتى ردها الى القليب ، ثم تقدم خلفها وعليه قميصان له أبيضان ، فأبطأ علينا فقال ابن عم له : لا يخرج منها أبدا ، ثم خرج علينا وقميصاه ينطفان عرقا ، وهو يقول : بدّا ، بدّا ، كل حق هو مؤدى ، أنا عبد الله الأعلى ، زعم ابن راعية المعزى أني لا أخرج منها أبدا ، قال : فأهل ذلك البيت يدعون ابن راعية المعزى إليّ اليوم ، فقلنا له : يا خالد ما الذي رأيت؟ قال : رأيت أحدا تحشها فشدختهن وقد طفيتها عنكم ، وكانت تضربنا في الكلأ والمرعى ، وكان من أعاجيبه أنه وقف علينا فقال : امضوا معي فمضينا معه حتى أتى مكانا من الأرض فقال : احتفروا فاحتفروا ، فأبدى لنا (١٦ ـ ظ) عن صخرة فيها كتاب قد زبر زبرا وحفر حفرا : «الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد» فاحتملناها ، فكانت إذا نزلت بنا شدة أبدانا عنها فتكشف عنا ، وكنا إذا قحط بنا المطر جللها ثوبا ثم قام يصلي ويدعو فمطر حتى إذا روينا كشف الثوب عنه فيمسك المطر ، وكان من أعاجيبه أنه قال : إن امرأتي حامل غلام واسمه مرّة وهو أحيمر كالذرة ولن يصيب المولى معه مضرة ، ولن تروا ما دام فيكم معرة ، ثم قال : إني ميت الى سبع فادفنوني في هذه الأكمة ، ثم اخرجوا الى قبري بعد ثالثة ، فإذا رأيتم العير الأبتر يطوف حول قبري ويسوف (١) بمنخره فانبشوني تجدوني حيّا أخبركم بما يكون حتى تقوم الساعة ، فخرجوا بعد ثالثة الى قبره فإذا نحن بالعير الأبتر يطوف حول قبره ويسوف بمنخره فأردنا أن ننبشه فمنعنا قومه من ذلك قالوا : لا ندعكم تنبشوه تعيرنا به العرب ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أتته ممياة بنت خالد فاتنسبت له فبسط لها رداءه وأجلسها عليه وقال : بنت أخي نبيّا ضيعهّ قومه.
__________________
(١) السوف : الشم. القاموس.