ذكره ـ كان شيخا صالحا فاضلا ، متعبدا مجتهدا ، ناسكا كثير التقفر والسياحة والانفراد ظهرت له براهين وكرامات ، وكان أصله رحمه الله من أهل القيروان ، وكان مسكنه بالجلود (١) جرت له في شبيبته صبوة وفتوة واتباع للشهوات ، ثم رجع عن ذلك فتاب وأناب وسبب رجوعه ما حدثني أبو عبد الله محمد بن هيبون الجزيري قال : حدثني بعض شيوخي قال : كان سبب توبة زهرون الطرابلسي أنه شق سوق العطارين بالقيروان فرأى فيه حدثا جميلا ، فوقع في نفسه منه شيء ، فدخل السوق فباع بدراهم كثيرة ، وكان رباعا بباب الغنم ، يجلب الغنم الى الداران ، فأتى بالدراهم نصف النهار ، وقت خلاء الأسواق فالتمس هو تلك الخلوة فأتى فوجد الحدث جالسا وحده في الدكان فصب الدراهم في حجره ، قال : فنفضها الحدث من حجره الى الزقاق ، قال : فأقبل زهرون يجمعها من الأرض ، وهو يقول هذه حيرة الذنوب ، قال : فأحدث توبة في الوقت ، وترك الدنيا وأقبل على العبادة والتبتل ، وحج حججا كثيرة ، ذكر عن أبي بكر بن سعدوس المتعبد ، وكان من أصحابه ، أنه حج سبعا وعشرين حجة ، وكان يأخذ طريق تبوك بلا زاد ولا راحلة على طريق القفر والبوادي ، وهي طريقة (٢ ـ ظ) معروفة عند أهل الفقر يأخذها منهم أهل الصحة والأكابر من الفقراء ، كان بنو أمية يأخذونها من دمشق إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، عفت آثارها ، وخربت ديارها وغارت مياهها.
قال : وقال أبو بكر بن سعدوس ، قلت لزهرون : أخبرني ما أعجب شيء رأيته بجبل اللكام؟ قال : بينا أنا أمشي فيه إذ أصابني العطش فاذا جحر حية ، فرأيت شيئا هالني فقست في عرضه ستة أشبار فقلت هذه حية واردة الماء فتبعت الأثر إلى هبط من الأرض ، فإذا بماء في فواره عليه تلك الحية برأس كرأس البقرة وقرنان كقرنيها وعينان كعينيها فأفزعني ذلك فقلت لنفسي : أين ما تدعين من حال التسليم فقلت : لا بد من التمسح بها ، فقالت لي نفسي : من جهة ذنبها ، فقلت : لا من جهة رأسها ، فأقبلت فوضعت مرفقي عليها ، وألصقت خدي بخدها ، فاذا هي
__________________
(٢) قرية قرب القيروان. معجم البلدان ، وجاءت هذه الرواية مطموسة بالأصل ، ولم ترد في المطبوع في كتاب رياض النفوس.