التونسيين شدته. وأصبح مغلوبا على أمره ، والله يحكم لا معقب لحكمه.
خليج مرسيليا
عجبا من كثير السيئات كيف تكون له حسنة في بعض أيامه ترفع من ذكره وتدافع عن أمره. فقد أكثر الناس من ذمّ خليج مرسيليا وتعب الركاب في مائه ونحن رأينا فيه هاته المرة راحة وهدوا. ومن إحسان المسيء أن يكف عنك أذاه. فعندما جاء الليل وقربت السفينة من شواطئ مرسيليا أخذ البحر في الهدوء ورجع إلى الركاب نوع من الحياة فأخذوا يهنئ بعضهم بعضا بالسلامة والنجاة ، لأنه بلغ فيما بعد أن مرجل السفينة عرض له خلل وأن شدة الخوف من الخطر كادت توجب على رؤساء السفينة توقيف السير ، ولذلك تأخر الوصول إلى مرسيليا عن الموعد المعتاد بنحو ستة ساعات وجرت المخابرة بالتلغراف اللاسلكي المركبة آلته على ظهر السفينة. سمعناه والسفينة تلعب بها الأمواج يتحدث همسا كالخايف من الشكاية بالبحر أو المسارر بخبر مهم يناجي برسائله مع تموجات الهواء فتتلقفها منه مراكز آلات التلغراف المذكور سواء كانت في البر أو البحر ، مثلما تتلقى في القديم مراكز حمام الرسائل ما يحمله من البلدان البعيدة والأقطار الشاسعة ، وهي تلغراف الأمم الماضية. وكان الحمام نفسه رسولا لنوح عليه السلام عقب الطوفان لاختبار جفاف الأرض. ويقطع الحمام في القفار والبحار نحو أميال ٨٠ في الساعة أي ٢٢ ميترو في الثانية ويهتدي إلى الأماكن التي يعرفها قبل بإلهام غير معلوم حتى الآن ، لا زال يتميز به عن الطيارات التي قلدت الطير في التحليق في الهواء كما تشاء. ولكن لو لا البوصلة لم يمكن لها الاهتداء. يقول مرسل حمامة بين القيروان وتونس :
وفي غزوان فاستعلي علوا |
|
وداني في تعاليك السحابا |
وكانت تصل الرسائل من طرابلس إلى رقادة حول القيروان في حينها ويومها بأواخر القرن الثالث.