مرسيليا وتاريخها
بت في «أوتيل البوسطة» وأخذت من الغد دليلا واطلعت على بعض نقط المدينة وشاطئ بحرها الغربي الجميل. وأول ما رأيت مما لم يعهد عندنا كون النسوة واقفات في مراكز ركوب الطرامفاي تنادي بأسماء كثيرة من أنواع الجرايد تبيعها للمارين مثلما يعجب الأجانب الزايرون لتونس من الصبيان الذين يبيعون بها الجرايد حفاة. يوجد غربي المدينة جبل فوقه كنيسة تسمى نوتردام دولاقارد وعلى صومعتها التي ارتفاعها ٤٥ ميترو صورة شخص قايم. والارتفاع هناك على سطح البحر نحو ١٥٠. وذكروا أن بالكنيسة «جليزا» غريب المنظر يقصده أصحاب الفن والذوق من جميع الأقطار ، ويصعد بواسطة رافعة إلى ربوة بسفح الجبل المذكور. وارتفاع هذا السفح المايل نحو ٨٠ مترو ، وفي مدة صعود الرافعة التي هي دقيقة ونصف يرى الراكب بسبب الميل مع سفح الربوة المكان الذي ركب منه وابتعاده شيئا فشيئا ، وربما كان هذا المنظر مرهبا. وهذه المرة الأولى للغريب في مشاهدات مثل هذا بخلاف الرافعات العمودية فلا يظهر منها ما يثير الهواجس بخاطر الراكب. أخبروا بأن لهاته الرافعة أربعة حبال من حديد واحد منها يكفي للإصعاد والإنزال. وعلى فرض انقطاع الحبال فهناك آلة تمسك البيت الذي به الركاب وتحفظه من السقوط ـ ومن صعد فوق هاته الربى يشاهد المدينة شرقية للشمال وسحب دخان الماكينات متلبدة عليها وتعيق النظر عن الإحاطة بجميعها. ويرى في الشمال الغربي مرسى السفن ورماحها المشتبكة وأعلام غالب الدول فوقها. ويوجد بهاته المدينة التي سكانها نحو ٥٠٠ ألف البناءات الكبرى والطبقات العالية والشوارع المتسعة التي يمشي بها الراجل براحة بدون مزاحمة. وعلامة مرسيليا «مضيئة من حركتها العظيمة». ومن العادة في فرانسا أن تعطى بعض البلدان والعائلات ألقابا تتميز بها مثلما جعل أخيرا للعائلات بالمملكة التونسية في دفاتر إحصاء السكان وضبط المواليد والوفيات. وللمدينة اعتبار بحري تجاري في الدرجة الأولى بمملكة فرانسا ، وبالأخص بعد فتح قنال السويس إلى الشرق والعلايق الاحتلالية والاستعمارية بالعدوة الجنوبية من البحر الأبيض. ومرساها القديمة والجديدة من جهة الغرب ، وقد هجرت الآن المرسى القديمة وهي