المنازل وصنع الكاغد والوقد في بيوتهم التي يلازمونها في كامل فصل الشتاء من شدة البرد «ومنافع الغابات سيأتي الحديث عنها في جبال شارطروز حول كرونوبل».
أما الجبال فزيادة على ما أنعمت عليها به العناية الإلهية من الأشكال البديعة ، فهي مكسوة الأديم بأنواع الأشجار والأزهار ومعممة بالثلوج الناصعة حتى صارت ذات جمال وهيبة بهذا اللباس الأخضر والعمائم البيض التي تخفف في زمن المصيف ، فتسقي الأشجار والمزارع بمياهها العذبة عند الذوبان وتشفي غليل كل ظمآن. وتظهر الطرقات بيضاء ممتدة في السهول ومتعرجة في الجبال كجداول ماء في بستان اعتنى مالكه بإتقان خدمته وإبداع تنسيقه.
خيرات الأرض ومحاسن السماء
بهرتني خضرة أديم الأرض في فرانسا وانتشار الثوب السندسي على البسائط والرّبى وامتداده إلى قمم الجبال. وحيثما مر بنا القطار إلّا وقامت أمامنا قدود الأشجار ، ورنت لنا عيون الأنوار ، وبسمت ثغور الأزهار ، الأمر الذي قلد فيه الطبيعة وقابلنا بمثله سكان ذلك البستان ، «ومملكة فرانسا كلها بستان واحد» ، البادي على وجوههم البشر والرافلين في الحلل الجميلة ، حيث صادف ذلك يوم الأحد ، وهو يوم الراحة والزينة والخلاعة عندهم ، في محطات سكة الحديد التي مررنا بها مداورة لقرى جبال الألب. وعجبت لما سبق لمسامعي من كثرة كلام الزائرين الأروباويين للمملكة التونسية وضربهم على وتر واحد وإجماع كلمتهم على حب قرص الشمس وبريق النجوم وزرقة السماء عندنا ، وغبطتهم لسكان هذا القطر على التمتع بجمال تلك المخلوقات الزاهرة والأضواء الباهرة. بما يخيل لسامعهم أن ليس في ممالكهم ما يغبطون عليه من جمال الطبيعة ونتاج الأرض حتى رأيت ما رأيت. فعلمت أن القوم أتمّو تدبير ممالكهم وتشبعوا من التنعم بمحتوياتها واستدرار خيراتها ، وتفرغوا لما بأيدي غيرهم ليشاركوا فيه وليعلموا قيمته. ونحن لا نعبأ بزينة الكواكب ولا نلتفت لقرص الشمس وما له من العظمة والمنافع وقد تقدم في فصل طلب العلم بالمقدمة ما في الحديث الشريف. العالم كالحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء. فبينما هي كذلك إذ