النباهة والإقدام في صغارهم
ركبت معنا امرأة لها صبي جلس بجانبها ثم ثنى ركبتيه واعتمد على أرائك الجلوس ، والتفت إلى ستاير الاستناد ، وكانت عليها حروف ب ل م ، فسألته أمه عن تلك فقرأها ، ثم عن معناها قال لها : اسم شركة سكة الحديد ، وعن بقية كلمات تلك الحروف فقال : باريز. ليون. البحر المتوسط. فعجبت من نباهة الصبي الذي كان دون الاثغار ومن سؤال الأم أيضا. وعلمت أن البحث لا بد وأن يعود به الصغير من جملة التعاليم المفيدة بل ذلك أساس العلوم والنتيجة بنت البحث. لذلك يشب الصغير وواجب الاستفهام عن معاني الأشياء التي يقع عليها بصره يدعوه لاستجلاب حقائقها ، لأنه يعلم أنه مسئول عنها وملام على الجهل بها ومتى غاب عنه حقائقها لأنه يعلن أنه مسئول عنها وملام على الجهل بها ومتى غاب عنه معنى لا يهنأ دون الوصول إلى إدراكه ومثل ذلك في المعقولات ، فلا يقرأ كتابا أو يحفظ متنا حتى يأتي على فك ألفاظه وتدقيق غوامضه قبل الاشتغال بما سواه. ولا يخطر بباله أن يعلق آماله على ما هو أعلى من تلك المرتبة التي بلغ إليها في التعليم ما دامت منها بقايا غير مفهومة أو فصول غير معلومة. كل هذا من أهم طرق التعليم والتعود على الاستفادة وأسهل وسائل الوصول إلى غايات المسائل وأصناف العلوم ـ وقال بعض المحررين المحققين أن عدم الهيبة والخوف على صغير السن هو الذي يرث جيل الإفرنج جميعا الإقدام والجرأة على الأمور والكلام ، ويزيدهم بسطة في العلم والجسم والعقل ، ويبطئ بهم عن الشيب والهرم ، فإن إلقاء الرعب في قلب الصغير كلوافح الرياح العاصفة على الغرس ، فمتى تمكن منه جعله بعد ذلك غير صالح للمساعي الجليلة. وما عدا خوف الحكام في بعض البلاد الشرقية ، فإن الأمهات يزرعن في قلوب أطفالهن الخوف من الخيال والظلام. قلت فيشب لذلك الصغير على الأوهام ويشيب ودماغه مملوءة بشبه أضغاث الأحلام.
والخلاصة أنهم يرشدون أبناءهم إلى المعاني المجهولة حتى يتعودوا البحث والحرية.
وبعض الناس يعودون أبناءهم بالخمول والسكوت والجمود. وهم يعودون أبناءهم بالاستقلال في مجالس الأكل والنوم ليعتادوا الاعتماد على النفس. ومن الناس من