يجلسون أبناءهم في أحضانهم وينيمونهم بجانبهم. وهم يخففون غذاء أبنائهم حفظا لصحتهم. ومن الناس من يمدون أبناءهم بالشهوات والمآكل الغليظة فيعتلون. وهم يزجرون أبناءهم عن كل ما لا ينطبق على الأدب كمس التراب وتلويث الثياب وبالأحرى السباب. وبعض الناس يتركون أبناءهم كالسائمة يفعلون ما يريدون ويقولون ما يشاؤون فيكون لهم ذلك ملكة يشبون عليها ويشيبون.
جبال الألب
قصدت كرونوبل بعد مرسيليا لما يبلغنا من خصب تربتها وجميل موقعها ، وعذوبة مائها وشموخ جبالها ، واتساع مروجها وكثرة معاملها ، وتدفق أنهارها وطيب مناخها ، وذكاء سكانها الذين امتزجوا من قديم بالعرب في عرصات جبال الألب وجعلت طريق الوصول إليها مع الخط الحديدي الملتوي مع جبال الألب. حتى أرى ارتفاعاتها وثلوجها وأشجارها ومزارعها. وقد رأيت في أثناء السير بين مرسيليا وكرونوبل منظرا جميلا وعمرانا منتشرا وقرى منتثرة في جنبات الجبال المعممة بالثلوج والمكتسية باللباس السندسي الذي تظهر عليه بناءات القرى المغشاة سطوحها بالقرميد الأحمر وغيره كالوشي والتطريز على الثوب ، وكالأزهار المختلفة الألوان في البساتين. والقطار يلتوي ما بينها صاعدا نازلا يفري صدور الجبال ويمسح على جباه الربى طائفا بالنهد ومستبطنا للغور ، وبالأخص بعدما تجاوزنا وسط الطريق وتركنا قرية سيسترو وراءنا ، فهو في الارتفاعات تحسبه سرب قطا ، وفي الانخفاضات تظنه حية رقطا :
تلقاه حال السير أفعى تلتوي |
|
أو فارس الهيجا أثار العثيرا |
أو سبع غاب قد أحس بصائد |
|
في غابه فعدا عليه وزمجرا |
وما القطار إلا مجموعة أجناس ومنازل ، يطير بها البخار ويطوي المراحل ، والبخار