الفرنساوي بالقيروان ، صاحب أخلاق وأناة والذي زاد سكان كرونوبل بسطة في العلم واستنارة في الفكر وصحة في الجسم ووضاءة في الوجه جبال الثلوج التي جاءت في جنوبها يهب عليهم في المصيف نسيم منها يتنسم منه روح الحياة كما قالوا عن غرناطة بالأندلس ، وأن ذلك روّق أمزجة أهلها وأكسبهم الألوان البديعة من امتزاج الحمرة بالبياض ، التي يخجل منها ورد الرياض.
ومن محاسن كرونوبل المروج الواسعة في الشرق الذي هو مطلع الشمس وبقية جهاتها جبال. والموقع الذي بهاته المثابة كما قال ابن سينا مدائنه صحيحة جيدة الهواء تطلع على ساكنيها الشمس في أول النهار وتصفي هواهم ثم تنصرف عنهم ، وتهب عليهم رياح لطيفة ترسلها عليهم الشمس آخر النهار ، ثم يتبعها طلوع الشمس من أول النهار الثاني. وحال خروج الشمس عنهم حال دخول الهواء عليهم بخلاف المدن الغربية أي التي تحول الجبال بينها وبين الشمس شرقا ، فلا توافيها الشمس إلّا بعد حين ، وعند ما توافيها تأخذ في البعد عنها فلا تلطف هواءها ولا تجففه ـ ولكرونوبل مثل غرناطة نهران أحدهما آت من المشرق وهو إيزاير ونهر غرناطة يسمى حدره ، وكلاهما عليه قناطير خمسة ، فما أشد التشابه بين هذين البلدين. ولها نهر آت من الجنوب يسمى دراك ولغرناطة مثله يسمى شنيل. وقد أدخلت لفظ كرونوبل في شعر لبعضهم فقلت :
(كرنبل) الحسن تزهو |
|
على دراري النجوم |
وكل نهر عليه |
|
كمثل سلك نظيم |
ما جردت كسيوف |
|
إلّا لقتل الهموم |
والجبال المنحدر منها دراك في الجنوب مثل جبال غرناطة في الجهة والوصف ، فهي كما قالوا تنبجس العيون من سفوحها ، وتطرد في أرجائها وساحاتها المياه ، وتعددت الجنات بها والبساتين والتفت الأدواح فجسوم أهلها بصحة الهواء صلبة.