باريز مدة إقامتنا بها في أواخر جوان. وكانت ثكنات العساكر مدة نزول المطر في كرونوبل تطلق المدافع من أعالي الجبال المحيطة بها ، وأخبروا بأن ذلك مما يتلاشى به انجماد المطر خوفا منهم على نزول البرد على الغلال فيفسدها. وأحسن ما رأيت من الغلال في تلك الجهة توت الأرض «فريز» قاني اللون. لذيذ الطعم. طيب الرائحة.
تذكرت عند نزول وابل المطر طالع الموشح الذي طالما ترددت بيننا أبياته لابن سناء الملك في محادثات الأديب العالم المتفنن صديقنا السيد الطيب بن عبيد القيرواني وهو :
كللي يا سحب تيجان الربا بالحلي |
|
واجعلي سوارها منعطف الجدول |
فقرأتها على نهر إيزاير وجبال شارطروز ولا موش روت فانطبقت تماما.
أتاني في كرونوبل الشاب وزان الإسرائلي السوسي المتعلم لقواعد الماكينات وأسرار الكهرباء بوصاية من تلامذة جنيف فصاحبني ، ولاقيت من بعض أحبابه في لا طرونش عدد ٤١ مزيد الحفاوة والرغبة في تطويل الإقامة ، وإن كنا نحب جهات كرونوبل إلا أن المحادثة مع بعض أهالي البلد وثنائهم على باريز وقولهم لي ستجد في باريز فوق كل ما رأيت زادني شوقا على شوق إلى تلك العاصمة التي هي بيت القصيد وبغية المستزيد. وسمعت مثل هذا الثناء عنها في جميع جهات المملكة وذلك معنى الوطنية الصحيحة والاتحاد المتين والاعتراف بما للعاصمة من حقوق التبجيل.
بين كرونوبل وليون
شايعنا من الغد صباحا عند السفر إلى ليون نهر إيزاير ومعه نهر دراك إلى جهات قرية فرايب ، وكأنه ضم نهر دراك معه عند الوداع ، وكانا على يسارنا ونحن في القطار متوجهين إلى الشمال الغربي ليكون ذلك أكثر احتفالا بالضيف وأقوى احتراما عند الوداع كما هي عادة الأوروباويين يبالغون في إظهار الإكرام عند مشايعة الزاير أكثر من تلقيه ـ بعض الأماكن يمر بها الإنسان فتأخذ بمجامع قلبه حتى يتمنى الإنسان العيش