في المحطات التي تجتمع بها عدة قطارات بأصوات شجية ينبهون الركاب لما يلزم ويهم.
ودخان القطارات في فرانسا يظهر كثيرا وينفذ إلى الركاب متى فتحوا المنافذ للنسيم فيققهم ويلوث ثيابهم ، ولعل كثافته من البرد وضعف النسيم فلا يوجد من الحرارة ما يتحلل به البخار ، أو من الرياح ما تتلاشى به سحبه. وبموجب الندى في هواء أروبا يلتصق سواد البخار وقتامه الفحمي بأثواب الركاب. فالمناسب في أروبا وبالأحرى في قطاراتها لبس الثياب القابلة للصبر على تقلبات السفر وكتم ألوان جنايته. والثوب مثل الرفيق فلا بد من كونه موافقا وكاتما. وسيأتي هذا في آخر الكتاب عند الكلام على لوازم المسافر. وأما ما يتعلق باللباس عموما وتطوراته وأشكاله فقد عقدنا له فصلا في ضمن دائرة الكلام على باريز التي بلغنا إليها في يوم السفر من كرونوبل واجتياز مدينة ليون على الساعة السادسة مساء في وقت الأصيل ، والشوق إليها طويل.
باريز
نزلنا إليها من محطة ليون بالجنوب وسلكنا شمالا إلى بطحاء الباستيل الذي كان سجنا وهدم في ١٤ جويليه سنة ١٧٨٩ لكراهة الفرانساويين للمسجونين ظلما حتى هجموا عليه ونقضوا جدرانه من أسسها بعد أن أراقوا دماءهم هناك وبنوا بأنقاضه قنطرة لاكونكورد الموصلة بين مجلس الأمة وبطحاء المسلة المصرية الآن.
وبالمرور على هاته البطايح التاريخية أخذنا في مشاهدات تذكارات الحرية وجميل منازلها وطيب مناخها ، وعرجنا يسارا وغربا من بطحاء الجمهورية مع شارع صان مرتان المتصل بشارع مونتمارتر غربا ، وهذا يتصل أيضا بشارع الطليان وهي أسماء بحسب الأماكن التي يمر بها هذا الشارع العظيم الذي جاء في وسط المدينة ومن أحسن مراكزها عمرانا. أرشدني إلى النزل به في أوتيل دوفمي بدرب «باساج جوفروا» صديقنا الفاضل سيدي الصادق التلاتلي «وهو الصادق إسما ومسمى» أجمل الله معاملته.