وكانت خيل العربة وهي تجري بنا كأنما هي السفينة التي عهدي بها في البحر غير بعيد ، تخوض في أمواج الخلائق بتلك الشوارع المتسعة النطاق ، أو كأنما هي طائرة فوق ما اشتملت عليه الطرقات من أناسي وحيوان وعربات حيث لا يرى أمام العربة قيد شبر فضاء.
ولأرباب العربات وسكان باريز عموما براعة في السير بالطرقات يجهلها الغريب ويرتبك عليه المشي فيها على الأقدام قبل التمرن كثيرا على السير في سكك المدينة.
اندهشت في أول الأمر من بحر ذلك العمران المختلف الأشكال والألوان وبين القصور الشاهقة والمخازن العامرة باختلاف البضايع. وسبح البصر في نظام هاته العاصمة الجميلة ، وتجاذبته جزئيات محاسنها الكثيرة ، فأسرع لاقتراحها الذي لا يرد ، وتردد ما بين هاته وتلك. ثم راجعت نفسي وقرأت (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا). وكففت نفسي عن الإغراق وإدامة النظر إلى فتنة الحياة الدنيا ، حيث رزق ربك خير وأبقى.
الأذن تعشق قبل العين أحيانا
يسمع البعيد عن باريز أخبارا مزعجة ومخوفة بالقتل والتعدي والسرقة وإداسة الأقدام فيتخوف الإنسان ويحسب باريز غابة مظلمة فتنقبض نفسه من هول هاته المدينة ويود أن لا يراها.
إن السلامة من سلمى وجارتها |
|
أن لا تحل بحال قرب واديها |
وأحيانا يسمع عن باريز الأخبار المسرة والداعية لزيارتها مثل الحديث على الأخلاق والمعارف والمنارة والنظام وسهولة الوصول إلى الاجتماع بالرجال العظام ولذات الحياة الدنيا. فيكاد السامع يطير إليها لو وجد جناحا ومتى أمكنته الفرصة أسرع بالخطى وأنشد أسرب القطا. والحقيقة أن كل مدينة عظيمة مثل باريز ، وهي