الحضارة المألوفة ولذات الحياة المرغوبة.
فوائد النظر في الآثار وتأثيرها على الناظر
إذا كان من أهل الذوق والاعتبار
يرسل الفكر بأشعته على المجتمع البشري وأنواع الحيوان وعظيم الهياكل وبدائع المصنوع وأقسام الطبيعة البادية على وجه الأرض ، فيتجلى له من اختلاف العناصر وتباين الطبايع وعظيم الهياكل وبدائع المصنوع ما يندهش به لأول مرة. ثم يرجع البصر كرة أخرى فيجد الإنسان نفسه ضئيلا قليل العمل وصغير الجرم أمام ما صنعه البشر قبله ومن بين مخلوقات الله. وعند ما يعسر عليه فهم دقائق العمران وفوائد ما في عالم الكون وتخفى عليه بعض الأسرار وكثير من أسباب الرقي والانحطاط والاندماج والانقلاب فلا يجد نظرا يضاعف به نور التفكر ومرآة يكبر بها الأشياء البعيدة ، وكهرباء يكشف بها ما خفي من بواطن الأمور وقطارا يسرع به إلى رياض النفوس ومجاني الأدب غير أنواع المعارف. فإذا كان الإنسان ضحى فيها زمنا طويلا ، وبذل مالا جزيلا ، وأرهف فكرا صقيلا ، فقد حان له نيل المبتغى والتبريز في إظهار مكنونات الفوائد ، وحل نكات الفرائد. وفي هذا الدور يأخذ في إفادة النوع البشري ويصير حيوانا راقيا مفيدا حيث كان مفكرا وعاملا. وأول ما يبدأ به في زمن العمل هو تقليد من سبقه واتباع أعمال من سلفه ، وللبيئة التي خلق فيها والجامعة التي فتح بها بصره تأثير خاص على ذوقه. ومتى كان واسع الفكر وصحيح العمل تجاوز بمراده ما فوق المعتاد ، وتشوق إلى اختراع ما وراء المعروف. وأحسن ما يستعين به على توسيع المعلومات هو الإبعاد في الأسفار والتأمل من مجموعات الآثار ، فهي التي تتجلى بها عظمة قدرة الخالق وإجادة صنع المخلوق وما أملاه نور العقل الذي هو النعمة العظمى المميزة للإنسان على ما فوق سطح الأرض ، وما دبرته النفوس الكبيرة وأملته على أنامل الأيدي البشرية فأجادت رسمه وشكلته حسب الإيحاء صنعا بديعا ، وولدته ثمرة مفيدة وأبدته نتيجة صالحة في الحياة الدنيا بتصرفات تلك الأنامل الضعيفة في الحيوان والنبات والمعدن. ولكل عصر معلومات خاصة وصنايع معلومة