ودرجة معروفة ينتهي إليها علمه ، والعصر الموالي له ربما زاد حلقا في سلسلة المعلومات والمصنوعات شأن الرقي المأخوذ في مفهوم عمران الكون إذا كان ذلك الجيل الموالي حيا بمعنى الكلمة. كثيرا ما يهزأ الآخر بالأول «ولا استخفاف المعاصر بالمعاصر» ويستصغر عمله ويستضعف نتيجته مع أن للأول العذر إذ العلوم لا تتناهى ، وله أيضا أكبر فضل في إيجاد الأساس الذي بنى عليه من بعده ، وهو أمر لا بد منه. كما أن بعض الأجيال ربما شمخت ، وبمعلوماتها وما أبرزته بمجهوداتها تعاظمت. وظنت أن لا سبيل لمن أتى بعدها في الزيادة على ما بلغت. وهذا غلط ينكر وإعجاب يذم ، إذ العقول لا تقف عند حد. وفي الإمكان أبدع مما كان. والتناهي في أعمال البشر عجز. والتجبر بمثل هاته الأوهام ضعف في العقل وتعرض لمحاربة الدهر. وهو كما علمت أبو العجائب (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ).
كثيرا ما ينطبع في مخيلة المستفيد من الأسفار والآخذ من محاسن أعمال الأجيال الأولى ومخترعات الأمم المعاصرة ما يجيد به مصنوعا جديدا جامعا من محاسن أعمال المتقدمين والمتأخرين ، فينشر ذلك في القطر وتزداد إجادته في ذلك العصر ويصبح أثرا معلوما خاصا بأبناء الجيل ينبئ على منتهى علمهم وغاية مقدرتهم وما بلغوه في حياتهم. كل ذلك في المصنوعات وشئون الفلاحة وأسالب التجارة ونظام الإدارة وصناعة التعليم والتأليف واللباس والرياش والعوائد. هذه كلها بعض نتائج الأسفار وديار الآثار.
منزلة الآثار من الإنسان في معترك الحياة
من الناس من تأخذ بقلوبهم وأعينهم المناظر الطبيعية كالجبال والأنهار والبحار.
ومنهم من يعشق المجموعات الأثرية وغرائب المتاحف ، ولكل نوع من ذلك لذة بالحواس ومكان بالفؤاد. ولإدراك المصنوعات العتيقة بقدرة الخالق ويد المخلوق ذوق خاص وملكة جيدة لبعض أناس وقفوا بها على دقائق في ضمن تلك المصنوعات البديعة فيقدرونها حق قدرها ويتأثرون عند مرآها فيعظمون الصانع ويعتبرون بالمصنوع. وربما حقرت هاته النفائس في أعين كثير من الناس ونبت عنها أبصارهم