وأهملت في مرابطهم فأضاعوا ما بها من المعاني وهم لا يعلمون قيمتها ، فإن داموا على ذلك اضمحلت حياتهم وهم لا يعلمون كثيرا من غرائب المخلوقات وعجائب المصنوعات ، وبدائع المخترعات وأسرار الكائنات. وإن تعاطوا النظر وتأملوا إما باختيارهم أو بأن ساقهم القدر إلى مخالطة بعض رجال هذا الفن وشاركه في العمل ، جرت في عروقه وتسربت إلى فؤاده منزلة هذا الفن العذب. وأصبح من عشاق النظر ، وما في ملكوت السموات والأرض من إبداع الخالق وتقليد البشر.
وحصلت له ملكة في التأمل والتدقيق وأحب علوم الخط والنقش والتصوير والموسيقى ، وصار ممن يميز بين جيدها ورديئها ويرجع بها لحسن الملكة إلى تعيين أقطارها وأعصارها.
وبات من الباحثين المنهمكين وممن تلذ لهم إجالة البصر فيما أبرزته يد القدرة والعقول المتنورة والأنامل البارعة والأفكار المتسعة.
المسلة المصرية في باريز
أكبر أثر شرقي في باريز هو المسلة المصرية الكبرى «السارية المربعة» ، في بطحاء كونكورد «الوفاق» شمال نهر الساين والقنطرة المسماة باسم هاته البطحاء المتسعة ذات الأحواض المائية والشوارع العظيمة المرتبطة بجنباتها والبساتين الممتدة بساحاتها.
فبالشرق بستان لاتويلري الفسيح ، وبالغرب شانزيليزي وبالجنوب القنطرة المؤسسة سنة ١٧٨٧ ـ ١٧٩٠ وبالشمال كنيسة مادلاين. والمسلة قائمة في وسط ذلك الفضاء الشبيه بالصحراء في الجانب الغربي من باريز فتلك المسلة أبت إلا أن تكون مثلما كانت برمال مصر في قفر بطحاء موحشة ، يرجع تاريخها إلى أواسط القرن الثامن عشر وكان بها تمثال لويس الرابع عشر. وكانت تسمى باسم لويس الخامس عشر ومات بها خلق في عرس لويس السادس عشر ، وقتل بها هو وزوجه في أواخر القرن الثامن عشر. سلكتها غير مرة وموقعها تطؤه أقدام غالب سكان المدينة وتقع عليه أبصارهم ، وهي طريقهم إلى غابات بواد بولونيا غربي المدينة ، فاستوقفتني تلك المسلة الغريبة (والغريب إلى الغريب نسيب) وتأملت في الكتابة المصرية العتيقة