«هيروكلوف» بالصور حفرا في ذلك العمود الحجري الذي ارتفاعه يقارب الخمسين ذراعا ، فتشعبت أمامي في تلك اللحظات مذاهب العجب وعجائب الدهر كثيرة من صناعها الذين قطعوا هذا الجلمود وقدروا على نحته وحمله من مقطعه وإيصاله إلى هيكل طيبس بمصر. ومن وصولها سالمة من وراء البحار عند ما أهدها محمد علي إلى لويز فيليب الذي خصص لها بعد أن وصلت إلى الإسكندرية ، على طريق النيل في مركب شراعي ، سفينة سميت باسم المسلة «لوكسور» حملتها إلى طولون في أوت عام ١٨٣١ وأقيمت باحتفال عام ١٨٣٦ في مكانها الحالي فتجدد لها عمر جديد في أروبا وتاريخ حديث في فرانسا بعد أن أقامت بقطر الفراعنة نحو ثلاثة آلاف سنة.
فهي كالروح على مذهب القائلين بنقلها في الأجساد البشرية في عصور مختلفة وأقطار متباعدة لتعود عالمة بكل خفية ، وتصير سامعة بما لم تسمع. كما عجبت من الصور والخطوط المرسومة بها واختلاف أذواق البشر في طرق الكتابة ، واشتقت إلى كتاب شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام لأحل به معمى الكتابة. ومن الأسف أن هذا الكتاب لم ينشر إلى الآن بين أبناء العربية. ونص ما قاله محمد رشدي المصري في شأنه بمدنية العرب عام ١٣٢٨ :
الكتابة القديمة
قد سبق العرب علماء أوربا في حل رموز الخطوط القديمة وترجمة كتبها إلى اللغة العربية ، ولا أخال أن أوربا ما توصلت إلى حل رموز الآثار والوقوف على علوم من سبق من الأمم إلا بواسطة كتب العرب وترجمتها إلى لغتهم ، فمن ذلك ما رأيته بعيني وطالعت فيه بنفسي وهو كتاب شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام لأحمد بن وحشية النبطي المتوفى سنة ٣٢٢ هجرية. فإن مؤلفه جمع فيه صور الخطوط القديمة التي تداولتها الأمم الماضية وترجمها جميعها إلى اللغة العربية ، ووضعها بطريقة يسهل للمطلع عليها أن يترجم ما على الأثارات من الكتابة على اختلاف أنواعها إلى اللغة العربية في زمن لا يتجاوز الساعات عدا. ودليلي على ذلك درسي في هذا الكتاب أربع ساعات.