حادثني رجل روسي وظيفه قاضي صلح في بلده ومعه زوجته ، وكان ينزل معنا في أتيل دوفمي في شئون باريز ، وإعجابه بما رأى فيها مما لم يعرفه في مملكته أو غيرها ، وحادثتنا امرأته في عوائد المسلمين رعايا الروسيا من ضرب الحجاب في خارج منازلهن ، وأنهن في راحة كبرى بداخل المنازل ، وسيأتي بسط خبر وسمر هاذين الزوجين عند الكلام على خلق الفرنساويين وخلقهم.
ديار التمثيل والملاهي في باريز
التمثيل يصور التاريخ وينشر الآداب ويحيي اللغة. واستحضار الصورة الغريبة له تأثير في ذوق اللسان العربي وترتاح له النفوس وتوده ، والمسألة التاريخية إذا شكلت على ما يوافق مجاري الأخبار ، ويناسب الأطوار ، استلفتت الأنظار وعلقت بالأفكار ، وكانت ادعى إلى التدبر والاعتبار. ولا أعون على علوق المسائل التاريخية بحافظة طلاب هذا العلم ، وبالأخص تلامذة المكاتب ، غير تمثيل الوقائع التاريخية الصحيحة بأسلوب أبعد عن الهزليات وأرقى عن الوهميات. وإذا وضحت المسائل الكبرى سهل ربط حلقاتها في الفكر وأمكن إلحاق فرع كل موضوع بأصله. اعتنى الأروباويون بديار التمثيل للغاية التي ذكرناها ومحاربة النقائص ونشر الفضائل. وأصل التمثيل عندهم للاحتفالات الدينية في القديم ، وتمثيل القسيسين هيئة القصص الدينية وتقريبها للعقول عيانا كإظهار بعض الصبيان بلباس مخصوص كأنهم ملائكة ، أو بعض أشخاص يوهمون الناظرين أنهم القدماء المذكورون في القصص التي يلقونها في الكنائس ، ثم ترقوا في ذلك لإقبال الناس على المحسوسات حتى مثلوا الجنة والنار وغير ذلك. ثم كتب جان بودال ألعاب صان نيكولا ، وهي تمثل بعض أدوار الحروب الصليبية في القرن ١٢. ثم راجت صناعة التمثيل الديني والفكاهي واعتنى به الكاردينال ريشليو وأسس له جمعية. وفي باريز كثير من هذه الديار ، وكذلك في بلدان المملكة ، وقد قدمنا أن القرى بفرنسا لا تخلو من محل للتمثيل ومكتب ومعبد ومستشفى ودار آثار.
ترددت في باريز على عدة ديار منها ، والمسافرون في كل واد يهيمون ، فولى