الطير كادت أن تطير بهم معنا حتى غاب القطار عن الأبصار. فما أحب هذا الجنس للغريب وما أشدهم سرورا به وأسرعهم إلفا له ، وشأن العاقل أن يؤلف ويألف.
حول باريز
«فرساي» مدينة سكانها نحو ستين ألفا بالجنوب الغربي من باريز وبها قصور الملوك في عصر الرقي بأروبا في القرون الأخيرة ، شامخة البنيان ، واسعة الأركان. ضمت بين جدرانها من رياش الملوك ومقتنياتهم ما يحمل سكان باريز وضيوفها على زيارة هاتيك المصانع والبساتين. وأول أمرها قصر صيد أسسه لويس ١٣ واستقر فيه من بعده ابنه لويس ١٤ بحاشيته وصرف في البناءات عليه نحوا من ستين مليونا. ومن عهد لويز فيليب صارت من منازل الآثار العامة مباحا دخولها للعموم ، فهي تكاد أن تكون باردو بالمملكة التونسية في عناية من تقدم من الأمراء وسكناهم بها في ضاحية المدينة ، ثم اعتبارها من أحسن البناءات والرياش التي يشاهدها الزائرون وأبدع ما تركه الملوك السابقون.
ركبت لها من محطة صان لازار من شمال الأوبرا في قطار له درجتان أولى وثانية فقط ، يصل لها في نحو ثلاثة أرباع الساعة ويود الراكب أن تكون المسافة أكثر لما يشاهده في الطريق من البساتين والأدواح النضرة ، وأهم ما بفرساي (١) بيت الزجاج (٢) ساعتان فلكيتان (٣) البساتين والمياه (٤) الصور الدهنية (٥) بيوت الملوك وأثاثها (٦) العربات العتيقة ـ بعد مشاهدة كنيسة وعدة صور بالطبقة الأولى صعدت إلى الطبقة الثانية من سقيف مدهون السقف المعقود دهنا بديعا وعديم النظر.
١. ودخلت إلى بيت الزجاج وشاهدت اتساعها مد البصر وبها مرايا كثيرة ، وعلى يمين الداخل لها نوافذ كبرى مطلة على البساتين وحياض المياه التي يتصاعد منها الماء بالضغط في بعض الأيام بصفة يعجب بها كثير من الناس على ما بلغني ويقصدون مشاهدتها من كل فج ، ولم تتفق لي رؤية (١) ـ (٢) ، ذلك ، وتكفل بوصف هذا البيت والبستان كتاب الاستطلاعات الباريزية.
٢. وبالساعتين والموجودتين في علو هذا القصر ونظام سير الكواكب بهما.