وكنوز تستخرج بالتعليم وتستثمر بالعمل. ولا أضر بالبشر من الميل للراحة والخمول ، ومن احتقاره ما يكتب أو يصنع أو يقول.
فأولئك القوم ذهبوا وأما آثارهم وأثاثهم وملابسهم فلم تذهب فهي تحدثنا عنهم كلما زرنا فرساي ورأينا بناءها ومحتوياتها. بل يتخيل أن أربابها أحياء بها ، حيث الخيام فإنها كخيامهم إلا أن ذوات الحي غير ذواتهم. ولهذا يرى الزائرون يمشون الهوينى في هاته المنازل ينظرون لأنواع المصنوعات بغاية الهدو والاحترام. وهذا من فوائد علم الآثار الذي هو التاريخ السياسي والاجتماعي والصناعي المجسم وهو أدعى للاعتبار والتقليد من جهتين مختلفتين في آن واحد.
وبالجملة فإن فرساي تشهد بمنتهى الرقي في ذلك العصر للأمة وملوكها الجامعين بين السلطة والمال. وأنواع ما بها من الآثار البنائية والدهنية والنباتية والمائية والتاريخية مجموعة محاسن ، ونفايس تركتها يد المال الغزير والعلم المنوع والسلطة النافذة والذوق اللطيف من القرن ١٨ هدية إلى أمة القرن ٢٠. بعد استيفاء مشاهدة ما بفرساي خرجت إلى البطحاء الشرقية عنها وإلى مركز سكة الحديد على طريق العربات الكهربائية ، وكنت ألتفت من حين إلى آخر والطرف يستودع تلك القصور التي تملأ محاسنها الجفون ، ويقرأ ما سطرته يد الزمان على جبينها كم تركوا من جنة وعيون.
وداع باريز
أقمنا في هاته العاصمة الزاهرة اثني عشر يوما وهي أكثر من ثلث أيام الرحلة ، والثلث كثير ، إلا أن أمد الرحلة كله في باريز قليل. وهي مصر ، كما قال الحريري ، لنظافة مكانه ، وظرافة سكانه ، يرغب الغريب في استيطانه ، وينسيه هوى أوطانه.
ألفيت هاته العاصمة كما تصفها الألسن ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
فشكرت يد النوى ، ولكن والحمد لله لم أجر فيها طلقا مع الهوى. فارقناها على نية الرجوع ، وخاطبناها عند الركوب من قطار ليون بقول الشاعر :
قولي لطيفك ينثني |
|
عن مضجعي وقت الهجوع |