يصعب صعوده. واستصحبت من محطة سكة الحديد أحد العملة بها دليلا على مهمات البلد حيث عزمت على تقصير الإقامة في هاته المدينة التي لم يسبق لنا تعارف مع بعض سكانها. ومعرفة بعض الأفراد في البلدان مما تفيد المسافر جدا في الكشف عما يهم ، والمعاضدة فيما يلم. ويكون للمسافر مزيد اعتبار في نظر السكان متى كان له صاحب منهم. عند الوصول لهاته المدينة رمقتنا العيون من كل جانب حتى كأنما نزلنا لهم من السماء. وأحيانا تحيط بنا أقواس من الأشخاص كبارا وصغارا وبالأخص النساء بلباسهن الملون كقوس قزح في الاستدارة والألوان الكثيرة ، ولكن مع التعجب الاحترام الناشئ عن الآداب العلمية والتربية الصحيحة. فتغافلنا عنهم وتركناهم وشأنهم حتى تركونا وفسحوا لنا في الطريق. أسرعت إلى معمل الفخار الملون الشهيرة ليموج بحسن طلائه منذ قرون ، فصادف وصولي خروج العملة وغلق أبواب المعمل. ثم استعنت بركوب الطرمفاي على رؤية أرجاء المدينة وبساتينها الأنيقة. ورأيت بطحاء كارنو وفضاءها المتسع كأنه مهيأ للبناء أو الغراسة. وتناولت العشاء في جنوبها ، وقضيت السمر في بطحاء الجمهورية. ودخلت محل التمثيل هناك فظهر لي ضعيف الحركة ناقص التأثيث والتنظيم حيث كنت حديث عهد بمشاهدات باريز وفيشي. ولما أردت الدخول إلى دار الصور المتحركة «السينيماتوغراف» فلم أجد فيها مجلسا في سائر الطبقات ، فعلمت شغف القوم بالحوادث الجديدة التي تمثلها للأعين هاته المخترعات المفيدة ، خرجت من المدينة إلى مركز سكة الحديد مع الدليل بعد نصف الليل وأخذت الحقيبة التي أمنتها بالكار وسافرت في القطار الذي أقلع في ذلك الوقت إلى طولوز بالجنوب الغربي من فرانسا فصبحناها بكرة.
جنوب فرانسا
أهل الشمال من فرانسا يظهر أنهم أبيض أجساما وأرصن عقولا وأميل إلى الهدو وأتقن حرفا ، ولعلهم أرباب دقة في أنواع الصناعة واعتناء بالتجارة. وأهل الجنوب أنبغ ذكاء وأخف أرواحا وأحمر ألوانا وأكثر دعابة وربما كانوا أصحاب زراعة «فلح وماشية» في غالب أحوالهم. وهذا مشاهد لكل متبصر شأن الفرق بين سكان المناطق