وحواليه ستة أشخاص وجميعها مجسم على مقدار الآدمي مختلفي الهيئات على غاية من الإتقان والإبداع ، يعملون أعمالهم من التقبيل والانحناء عليه ومسكه ، فالبعض تبدو عليه الكآبة والبعض عليه الدهشة وفيهم الباكي ومنهم المتصبر. بالمعلقات الدهنية صورة مولاي عبد الرحمان على فرس ووراءه تابع راجلا يظلله ، وفي يد الأمير اليمنى سبحة ملتوية على رسغه كالسوار. من بين الصور الدهنية شيخ معمم قائما ، واضعا يده اليمنى على شابة وأخرى بجانبها أكبر منها تباشر النسج ، وعلى يساره شاب بيده عصا ، فسرى لذهني أنها تمثل سيدنا موسى وسيدنا شعيب عليهما السلام ، وحال تزوج الأول بإحدى ابنتي الثاني على ما قصه القرآن المجيد ، وباستفسار إدارة الآثار بعد رجوعي بواسطة عائلة دوبوردايز بلغني أنها صورة لابان وابنتيه ليئة وراحيل ، والشاب ابن أخته يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام. والمسألة شرحتها التوراة في سفر التكوين بالإصحاح ٢٩ ، ومضمونها أن يعقوب سافر إلى خاله لابان بأرض حاران ، فوجد راحيل ابنة خاله ترعى غنما فسقاها لها من البير ، وتعاقد مع خاله على رعي الغنم سبع سنين في مقابلة زواجه براحيل التي أحبها يعقوب حيث كانت حسنة الصورة ، وعدل عن أختها الكبرى ليئة لضعف في عينيها. وبعد السبع سنين أولم لابان وزف إلى يعقوب ليئة ابنته الكبرى عوض الصغرى ، وفي الصباح لما رآها يعقوب قال لخاله ما هذا الذي صنعت بي أليس براحيل خدمت عندك فلماذا خدعتني؟ فقال لابان : لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطى الصغيرة قبل البكر «وهاته العادة تراعى إلى الآن غالبا وبقدر الإمكان في المملكة التونسية» أكمل أسبوع هذه فنعطيك تلك أيضا بالخدمة التي تخدمني أيضا سبع سنين أخر ، ففعل يعقوب ودخل على راحيل أيضا (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ). وأحبها وعاد فخدم سبع سنين أخر وأولدها يوسف عليه السلام ، وأحبه أبوه إسرائيل «يعقوب» أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته وصنع له قميصا ملونا.
منازه المدينة
بستان الحيوان بجنوب المدينة متسع جدا والحيوانات الغريبة قليلة فيه مثلما يظهر