واصطفورة «تبرسق» وفريانة وقفصة ، فهي من أحسن مراكز العمران المراعى فيها مستقبل الساكن عند التأسيس وربما لاحظوا دائما هاته المسألة الحيوية في جميع مدنهم.
ساقنا إلى هذا الحديث وذكرنا ما ذكرنا من أحوال المياه بالمملكة التونسية ما شاهدناه في مدن فرانسا الجارية من حولها وخلالها الأنهار الجميلة والمياه العذبة ، وقد مر بك حديثها في كرونوبل وجنيف وباريز وفراين وإيسودان وطولوز وليون التي قلنا فيها إن الأنهار تعشق المدن في فرانسا.
نيم
عجلنا لها السير من مونبيليي شأن المسافر في أخريات أيامه والعامل في بقية أشغاله. فأمد الرخصة الإدارية يحثنا ، والشوق للشاطئ الأيمن من البحر الأبيض يقودنا. خصوصا وقد رأينا شاطئه الأيسر في هذا اليوم بجنوب نربون ومونبيليي ، وما غابت شمس هذا النهار الذي ركبنا قبيل منتصفه من طولوز وقضينا مساءه في مونبيليي حتى نزلنا في مدينة نيم الغنية بآثار الرومان ، والباقية بها بعض صفاتهم وعوائدهم التي منها الاحتفال بمصارعة ذكران البقر في الانفيتياترو «ليزاراين» الجاثم في هاته المدينة هيكلا عظيما وبناء متينا على شكل بيضي ، داخله مدرج لجلوس المتفرجين ، وفي وسطه فضاء للمصارعة. ولفظ الانفيتياترو مركب من كلمتين من لغة الإكريك أنفي ـ معناه حول وتياترو معناه اللعب. وهو في نيم له سطران من الأقواس ، أحدهما فوق الآخر من جميع جهاته وحجارته بيضاء على خلاف لون الحجارة الصفراء بقصر الأجم. ويظهر أنه أقل حجما أيضا وأقصر ارتفاعا وأنقص طبقات من انفيتيارو المملكة التونسية ، ولكن هذا حياته تجددت دون قصر الأجم ، باستعماله فيما أسس له ، فقد رمموا خارجه ووضعوا الكراسي فيما نقص من داخله وأضاءوه بالكهرباء للتمثيل به ليلا زيادة على النهار. وبلغني أنه يسع عشرين ألفا من المتفرجين الذين يأتون من البلدان البعيدة. أما المدينة فسكانها نحو ثمانين ألفا ، وصور مصارعة الرجال والثيران مجسمة تباع بكثرة في هاته المدينة يرجع بها الزائرون تذكارا شهيا. والتجار يضعون على أبواب حوانيتهم رؤوس الثيران ولعا بالألعاب مع