الأخلاق والعوائد
أهالي فرانسا أشبه الناس بالعرب في كثير من الخصال والصفات كالحرية وإباية الضيم وفصاحة اللسان وإكرام الضيف وغير ذلك. أما الحرية فإن العربي يصرح بما في ضميره ويصدع بالحق ولو كان السيف على رقبته. والنعمان ابن المنذر بين حسب قومه وشرف أمته وفضلها على سائر الأمم ، وجادل في ذلك مع كمال الأدب ووضوح الحجة أعظم رجل في عصره بين أمم العالم ألا وهو كسرى أنوشروان ، وما أدراك ما كسرى في مجلسه وبمحضر وفود الأمم ونوابها. وذلك لما هضمت أمة العرب في ذلك المجلس وتنقّصها من لا يعرف حقيقة أمرها. وبعد أن ترقب السامعون سخط كسرى عليه رأوا إعجاب كسرى به وإكرامه له ، شأن الرئيس الحكيم والمخاطب العاقل إذا سمع صواب القول ومتانة الحجة. وهذه الصفة المعتبرة عامة في سائر طبقات العرب لا فرق بين خاصتهم وعامتهم ، ونحن نعلم أن من بعض أطراف مجلس عمر بن الخطاب من قام وخاطب عمر بن الخطاب ، وما أدراك ما عمر بن الخطاب ، بقوله : «لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا».
يذكرون أن كلوفيس الأول أحد ملوك فرانسا رام أن يأخذ إناء من غنائم كنيسة سواسون ليرجعه إلى الكنيسة لما رغب منه ذلك ، فقام أحد الجند وضرب الإناء بسيفه فقال للملك : ليس لك إلّا منابك ، حيث كان من عادتهم قسمة الغنائم.
رأيت المؤرخين ينتقدون على هذا الجندي الحر وأنا أبرر عمله لأنه في الصدع بالحق بمثابة من قام لعمر بن الخطاب وقال له : لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيفنا. بل الذي ينتقد هو عمل كلوفيس الأول حيث قتل هذا الجندي الحر المحق فيما بعد انتقاما لهاته المعارضة المرة. والحقيقة تجرح ، متعللا عليه في يوم تفقد الجند بأن لباسه على غير ما ينبغي.
ومن حريتهم في الصدع بما في الضمير أن كانوا يقولون لي : ما أحسن اللباس العربي وما بال التونسيين لا يحافظون عليه متى أتوا إلى قطرنا حتى يعرف السواد الأعظم في مملكتنا إنسانية التونسيين وآدابهم ورقيهم «وفي الواقع غالب سكان أروبا لا يتصورون التونسي إلّا من همج القبائل بأواسط صحراء إفريقيا» ، فكنت أذهب في