الاعتذار بأن الغريب يود التستر حتى لا يجلب الأنظار التي ربما كان من بينها لحظات الاستخفاف أو رفع الأسعار في وجه الغريب المضطر للتعامل ، فينكرون صدور هذا الأمر من بني جنسهم في وطنهم مع الضيوف الذين يجب اعتبارهم ومساعفتهم.
وفعلا لم أر الفرق بين الزي العربي والإفرنجي عندهم إلّا بالمجاملة لصاحب اللباس الأول فحافظت على اللباس العربي. ولئن عجبوا بما لم يعرفوه من قبل فمع الاحترام والأدب يقابلون ضيفهم الغريب في الجنس واللغة والدين واللباس. ولما كانت جل إقامتي في باريز وهي مجمع أجناس العالم وقاعدة المملكة قلت : إن البرنس في باريز ، محترم وعزيز. وأتذكر أن بعض ذوات النباهة في باريز من بعض العائلات الكريمة قالت لي إن لباسك العربي صالح لعدة أشياء حتى أنه يحفظك من السراق الذين يجهلون منك مكامن وضع المال والحاجات. فعجبت من حذقها وجمعها بين المدح والوصاية بالتحفظ في جملة واحدة.
فصاحة اللسان
تجد الفرنساوي يلقي على مسامعك جملا بليغة في حصة وجيزة يلم لك فيها بأطراف الحديث ومهمات الغرض ، بدون مقدمات فارغة ولا تحليات باردة ، ولا يخرج عن الموضوع إلّا لأسباب وبمناسبات ، كما لا يمزج الجد بالهزل كثيرا أو يتعرض للسفاسف وما عسى أن يكره المخاطب السؤال عنه ، كالسن والمال وفي الغالب الدين أيضا ، والحكيم العربي يقول :
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة |
|
سن ومال ما استطعت ومذهب |
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة |
|
بمعاند وبحاسد ومكذب |
وفي أوقات الشغل ، وبالأخص في مثل الإدارات ومحلات التجارة ، خطابهم مختصر ينطق أحدهم بكلمة أو جملة هاديا ليس له رأي سواها ، ولا يتردد السامع