الضيافة
رأيت من كرم الفرنساويين ما لم أتوقعه من قبل المشاهدة فلا يقتصرون في الإكرام على القول ، بل يشفعون ذلك بالفعل ، فيؤدبون المآدب ويبذلون ما في الوسع المالي على ضيفهم وينزلونه في منازلهم بغاية السرور والاحترام. وبالضرورة مع أودائهم لا مع سائر الناس ، وهذا ما لقيته في كرونوبل وباريز وإيسودان وطولوز وفيفي بالسويس من أفاضل وفاضلات القوم ، فكأنهم يعملون بحكم الشعر العربي :
ما ودني أحد إلّا بدلت له |
|
صفو المودة مني آخر الأبد |
ولا جفاني وإن كنت المحب له |
|
إلّا دعوت له الرحمان بالرشد |
ولهم عناية كبرى بالاقتصاد ، وضيافتهم في المدن الكبرى قليلة على المعروف عندنا ، وسكان قراهم يكثر قراهم «ولا خير في أخ لا تجتمع الإخوان على خوانه ولا تمر الجفون على جفانه». وأصناف الطعام عند القوم في منازلهم قليلة جدا لا تتجاوز ثلاثة أنواع ، والغلال عندهم والمشروبات الحارة عقب الطعام أمر محتم.
ينتقد بعض الناس أو يذكر من مخالفات العوائد عندنا عدم إكثار الفرنساويين لأنواع الأطعمة على المائدة مثل ما عندنا ، وإقلالهم الرغيف والتوفير من أنواع الخضر. والصواب أن الاقتصار على بعض الأطعمة أنفع للبدن وأبعد عن التبذير على مقتضى قواعد علمي الصحة والاقتصاد ، أما كثرة أنواع المآكل والملابس فهي من مهلكات الشرف ومفقرات السرف.
وقد أعجبني جواب بعض الأصدقاء عند ما سئل عن طعام الأروباويين وطعامنا ، فقال طعامهم أنفع للبدن وطعامنا أدعى لكثرة الأكل. قلت وفي السنة : ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن ، حسب المسلم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وكرم العرب ليس من لوازمه كثرة المآكل. وحاتم الطائي يقول :