الهندسية ، وكان ذلك على نظر الوطني السيد عبد الجليل الزاوش.
وداع مرسيليا
عند ما أقلعت سفينة قرطاج من رصيف مرسيليا عند الزوال ، كان جميع الركاب ينظرون قياما إلى مرسيليا وتراب العدوة الشمالية ، قياما منهم بواجب الشكر عند الوداع لمملكة شربوا عذب مائها ، وتنعموا بخضرة أرضها وطيب هوائها ، ومع ذلك هي مملكة العلم والأمن والحرية. وكأن جوارح الآيبين من فرانسا كلها ثناء على أهاليها أرباب البشاشة والحفاوة بالغريب الذي لا يثقل عليهم طول إقامته ، فلا تسمع منهم عند وداعه إلّا كلمة إلى الملتقى في العام القابل ، ومناديلهم ترفرف كقلب خفاق من حر الافتراق.
سفينة قرطاج بها مجالس ١٩٤ من الرتبة الأولى ومن الثانية ٩٣ ومن الثالثة ٦٦.
وسبحت في الماء عام ١٩١٠ وسرعة سيرها ١٨ نوا في الثانية ، أي ٣٢ ميلا في الساعة. والنو علامة يضعون بينها وبين الأخرى ١٥ ميترو تقريبا. ونوتيتها ١٤٥ وقوتها أفراس ٩٢٠٠ ، وطولها أمتار ١٢٧. وقد تقدم في الكلام على سفينة الجزاير أن هاته الشركة رأس مالها ثمانون مليونا ، وابتدأت في البحر الأبيض سنة ١٨٨٠ ولها فيه عشرون ، وفي بحار العالم ٧٨ سفينة.
كان البحر في رجوعنا هاديا والسفينة تتهادى ، ولا أدري هل كانت حركتها إعجابا مثل الفرس الجواد الذي تعرف نجابته بالتحرك والترجرج دائما ، أو صارت لها عادة ونوبة من أثر فعال البحر تصيبها حتى في حالة الصحو. أو ذلك لما قرروه في شأن هاته السفينة من شدة ارتفاعها فوق سطح الماء وضيق عرضها ، فهي تتحرك حتى من بخار المراجل ، كالغصن الرطيب في الصبوح والأصايل. وممن رجع من فرانسا في هاته السفينة النجلان الكريمان لسيدنا ومولانا سيدي محمد الناصر باي المملكة التونسية أدام الله عزه وعلاه ، كانا بها في وجهة التعليم بالمكتب الحربي.
وأذكر القصيدة التي ترجم بها صديقنا الأديب السيد الشاذلي خزنة دار شعرا فرانساويا تضمن هذا الموضوع ، وقد جدد هذا الشاعر المجيد حياة الشيخ رفاعة الذي