والعرب في الأندلس. وتأليف ابن العوام أقوى دليل على رقي هذا الفن في تلك العصور الغابرة. وعقد فصولا أدبية في المناظر الطبيعية وبالأخص في جبال الألب وثلوجها وأنهارها وغاباتها ورياضها ومنازهها وأدواحها ، مثل ما بكرونوبل وشامبري وإيكس ليبا وجونيف وفيفي ومونترو وفاراين وكليرمون أنركون كل ذلك بشرقي فرانسا.
أما الوسط مثل إيسودان وفيشي وليموج فذكر ما بها من الصنائع وتربية الحيوان والمياه المعدنية النافعة ، وأثنى على أخلاق السكان وحسن معاملتهم للتونسي الذي يعامل الفرنسويين أيضا بحسن القبول وطيب الجوار في مملكته.
وخصص لباريز فصولا مسهبة ونوع الكلام فيها إلى : قسم إداري مثل وزارة الخارجية ومجلس الأمة ومجلس الأعيان ونظام المحافظة ، وقال : إذا كانت باريز بستانا فسياجها البوليس السري القائم على ساق الجد وصاحب العناية بالغريب. وإلى قسم علمي مثل مدرسة اللغات الشرقية والمكتبة العمومية ، وأشبع القول في الكلام على اللغات وفوائد اللغة الفرنسوية ، وعلى المكاتب وأنواع الخطوط ثم على قصور الآثار والتصوير وما كان للمسلمين به من الاعتناء ، ثم على ديار التمثيل الذي يحيي اللغة وينشر الآداب ، ثم على عمران باريز ووسائط النقل والصنائع والتجارة ورخص الضروري منها ثم على الأخلاق والعوايد والألوان.
أما صدر الكتاب فقد زينه بمقدمة تاريخية مفيدة للغاية في أسباب السفر الذي يعرض للبشر جماعات وأفرادا. وتعرض في السفر العلمي إلى التعليم الفرنساوي بالمملكة الذي أفاد الأمة وأن الرجال الذين تعلموه مع لغتهم وعلومهم سدوا فراغ الحاجة بالمملكة وقاموا بمهمات صالحة للأمة والحكومة معا. وذكر أن كتابه هذا قدمه هدية وتهنئة لصديقه المفضال النحرير الشيخ سيدي الطاهر ابن عاشور القاضي المالكي بالقطر التونسي. وجرى قلم المؤلف الواسع الاطلاع في كل مناسبة بإظهار فضل القيروان ورجالها قديما وحديثا. وفي آخر الكتاب حرر جملة صالحة فيما يلزم المسافر إلى أروبا من العلوم والأدوات. وبالجملة فالكتاب علمي أدبي أثري تاريخي جغرافي زراعي صناعي أخلاقي اجتماعي إداري ، جاء سادا لثغر الحاجة ومفيدا لقراء العربية ، وبالأخص فيما تهم معرفته بمملكة فرانسا من المعارف والأخلاق