يوم السفر من تونس إلى فرانسا
قطعت تذكرة السفر من شركة الملاحة المسماة لا طرانز أتلانتيك على طريق إدارة النيابة الأجنبية «لا جانس طرانجي» في الدرجة الثانية بحرا وبرا من القيروان إلى القيروان. وعينت الخطوط والبلدان التي أمر بها وأجرة الكراء برا بحساب الأميال ، وكلما كثرت قل الكراء ، ويدفع مسبقا بتخفيض محدود يقارب الثلث لو دفع المسافر أجرة الركوب إلى كل بلد في مراكز الدفع ويسمى (بايي سركلاير). كما أن الشركة تتولى قبض معلوم الركوب في البحر ثلاثة فرنكات. وكان الفاضل الثقة الشيخ أحمد ابن سعيد المحصل على شهادات التطويع والخلدونية واللغة الفرنساوية قد عزم على السفر لفرانسا ، فعقدنا النية على الترافق وعزمنا على المصاحبة في السفر إلى أروبا ، وهو من أحسن الناس معاشرة وأصفى مودة وأنزه طوية وأبعد عن التداخل في الخصوصية. ذلك كله بعد أن قدمت مطلبا إلى النيابة المذكورة قبل السفر بمدة وعينت لها يوم الركوب وهو من لوازم المسافر ليأخذ فراشا في السفينة ، إذ قد لا يجد مكانا للكراء يوم السفر إذا أخر الطلب ، وبالأخص في أيام المصيف التي يكثر فيها المسافرون الأروباويون إلى مرسيليا رجوعا إلى لدات الأوطان ونعيم المصيف ، فيجمعون بين الوطن والوطر ، يصطافون بلد الثلج ويشتون بلد التمر. وركبت يوم الجمعة مساء على الساعة الثانية بعد الزوال في السفينة المسماة بلد الجزائر «فيل دالجي» ، ووادعنا بعض من الأقارب من بينهم الشيخ سيدي عمر الورتتاني ولمة من الأصدقاء والأخلاء ، منهم الأكمل النحرير الشيخ سيدي الطاهر ابن عاشور قاضي قضاة المملكة التونسية فيما بعد ، والمفضال الإمام سيدي محمود محسن الشريف ، وشقيقه الأكمل الإمام سيدي علي محسن. ورأيت كثيرا من الأحباب بعد صعودي ظهر السفينة قرب الأقلاع ليتمكنوا من مقابلتي ، جازى الله جميعهم خيرا. وقوة الوداد ، إنما تظهر في وداع وتلقي المسافر من البعاد. وتلك الذوات آخر ما يبقى بخياله في الاغتراب ، وأول ما يسر بها عند الإياب.
كما أن الإعانات المادية والأدبية والإرشادات المفيدة للمسافر التي أمدنا بها كثير من أهل الكمال والوداد مما رسخت في نفوسنا التي أثر عليها ذلك الحنو والانعطاف