إن الآراء الشديدة الغالية التي تبناها نافع بن الأزرق وضعت الخوارج في بداية مرحلة خطيرة ، فقد فتحت مجالا واسعا أمام مجتهديهم لمناقشات نظرية واسعة استمرت فترة من الزمن ، وأدت إلى ظهور آراء متباينة ومواقف مختلفة ، وكانت سببا في تفرقهم ، ولا ريب أن الاتجاه المعتدل الذي يمثله النجدات هو أقرب إلى آراء عامة المسلمين.
إن جماعة من الخوارج الذين انشقوا على نافع بن الأزرق بزعامة نجدة بن عامر الحنفي ساروا إلى اليمامة ونزلوا بأباض (١) ، ولا بد أن يكون سبب اختيارهم لليمامة هو عزلتها وتذمر أهلها ، وحضارتها القديمة وثروتها ، والنزاع بين شرقي الجزيرة والحجاز ، ولعل للشعور القبلي أثر في ذلك وأنهم من عشائر اليمامة.
واعترض نجدة عند جبلة (٢) قافلة من البصرة كانت في طريقها
__________________
(١) أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب. الجزء الحادي عشر من تاريخ مصنف مجهول : ٨١. ابن الأثير : الكامل ٤ / ٢٠١. المبرد : الكامل في اللغة ٣ / ١٠٣١ ـ ١٠٣٢. ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٢ / ١٠. وأباض : قرية بعرض اليمامة. ياقوت : ١ / ٧٢. وفي رواية أخرى أن نجدة لم يكن مع نافع في الأهواز وإنما كان في اليمامة مع جماعة من أتباعه ، ولكنه أراد الذهاب واللحوق بنافع فاستقبله عدد من الخوارج كانوا قد انفصلوا عن نافع بعد أن أظهر البراءة من القعدة عنه بعد أن كانوا على رأيه وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال ونساء مخالفيه ، وهم أبو فديك وعطية بن الأسود احنفيو راشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من أتباعهم ، فأخبر هؤلاء نجدة بن عامر وأتباعه بأحداث نافع وردوهم إلى اليمامة وبايعوا نجدة وأكفروا من قال بأكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع البغدادي الفرق بين الفرق : ٨٧.
(٢) جبلة : من أرض تميم على خمس ليال من حجر. أنساب الأشراف : ج ٦ ، ورقة ١٥ ب.