واختط البصرة عتبة بن غزوان المازني (١) ـ مازن قيس ـ في سنة سبع عشرة وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب.
__________________
ـ الخلفاء الراشدين ، وأول من لقّب بأمير المؤمنين ، الصحابي الجليل ، الشجاع الحازم ، صاحب الفتوحات ، يضرب بعدله المثل. كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم ، وله السفارة فيهم ، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وهو أحد العمرين اللذين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو ربه أن يعزّ الإسلام بأحدهما ، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وشهد الوقائع. قال ابن مسعود : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة : لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر ، وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر سنة ١٣ ه بعهد منه ، في أيامه تمّ فتح الشام والعراق ، وافتتحت القدس ، والمدائن ، ومصر ، والجزيرة ، حتى قيل : انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام.
وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري ، وكانوا يؤرّخون بالوقائع ، واتخذ بيت مال للمسلمين ، وأمر ببناء الكوفة ، والبصرة فبنيتا ، وأول من دوّن الدواوين في الإسلام ، جعلها على الطريقة الفارسيّة ، لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتّبات عليهم. وكان يطوف في الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم. وكتب إلى عماله : إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم. وروى الزهري : كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبّان فاستشارهم يبتغي حدّة عقولهم. وله خطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر إلّا أنشد فيه بيت شعر. وكان أول ما فعله حين ولي أن ردّ سبايا أهل الردّة إلى عشائرهن.
وقال : كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية ، وزاد في بعضها : «الحمد لله» وفي بعضها : «لا إله إلا الله وحده» وفي بعضها «محمد رسول الله» ، له في كتب الحديث ٥٣٧ حديثا. وكان نقش خاتمه : «كفى بالموت واعظا يا عمر». وفي الحديث : «اتقوا غضب عمر ، فإنّ الله يغضب لغضبه» لقّبه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالفاروق ، وكنّاه بأبي حفص ، وكان يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا في صفته : كان أبيض عاجي اللون ، طوالا مشرفا على الناس ، كثّ اللحية ، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة ، غيلة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح ، عاش بعد الطعنة ثلاث ليال. وكانت وفاته سنة ٢٣ ه / ٦٤٤ م.
(١) عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب الحارثي المازني ، المولود سنة ٤٠ ق. ه / ٥٨٤ م ، أبو عبد الله ، باني مدينة البصرة ، صحابي ، قديم الإسلام. هاجر إلى الحبشة ، وشهد بدرا ، ثم شهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص ، ووجهه عمر إلى أرض البصرة واليا عليها وكانت تسمّى «الأبلّة» أو «أرض الهند» فاختطها عتبة ومصّرها ، وسار إلى ميسان وأبزقباذ فافتتحهما ، وقدم المدينة لأمر خاطب به أمير المؤمنين عمر ، ثم عاد فمات في الطريق سنة ١٧ ه / ٦٣٨ م ، وكان طويلا جميلا من الرماة المعدودين. روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أحاديث.