عيسى الأعظم الذي يأخذ من معظم الفرات تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقة ويحمل فيها الدقيق والتجارات من الشام ، ومصر تصير إلى فرضة عليها الأسواق وحوانيت التجار لا تنقطع في وقت من الأوقات فالماء لا ينقطع ، ولهم الآبار التي يدخلها الماء من هذه القنوات فهي عذبة ، شرب القوم جميعا منها.
وإنما احتيج إلى هذه القنوات لكبر البلد وسعته وإلا فهم بين دجلة والفرات من جميع النواحي تدفق عليهم المياه حتى غرسوا النخل الذي حمل من البصرة فصار ببغداد أكثر منه بالبصرة ، والكوفة ، والسواد (١) ، وغرسوا الأشجار وأثمرت الثمر العجيب وكثرت البساتين والأجنّة في أرباض بغداد من كل ناحية لكثرة المياه وطيبها ، وعمل فيها كل ما يعمل في بلد من البلدان لأنّ حذاق أهل الصناعات انتقلوا إليها من كل بلد وأتوها من كل أفق ونزعوا إليها من الأداني والأقاصي ، فهذا الجانب الغربي من بغداد وهو جانب المدينة وجانب الكرخ ، وجانب الأرباض.
وفي كل طرف منه مقبرة وقرى متصلة وعمارات مادة. والجانب الشرقي من بغداد نزله المهدي بن المنصور وهو ولي عهد أبيه ، وابتدأ بناءه في سنة ثلاث وأربعين ومائة فاختطّ المهدي قصره بالرصافة إلى جانب المسجد الجامع الذي في الرصافة ، وحفر نهرا يأخذ من النهروان (٢) سماه نهر المدي يجري في الجانب الشرقي.
وأقطع المنصور إخوته وقوّاده بعد ما أقطع من الجانب الغربي وهو جانب مدينته
__________________
ـ وفي بعض الكتب : أنه في سنة ٤٨٨ ه أحرقت محلة نهر طابق وصارت تلولا لفتنة كانت بينهم وبين محلة باب الأرحاء. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٧١).
(١) السواد : يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمي بذلك لسواده بالزروع والأشجار لأنه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمّونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك سوادا ، وهم يسمّون الأخضر سوادا والسواد أخضر ، فسمّوه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار وحدّ السواد من حديثه إلى الموصل. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٠٩).
(٢) النهروان : بالكسر والفتح وأكثر ما يجري على ألسنة الناس الكسر أي كسر النون ، وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدّها الأعلى من الجانب الشرقي حدّها الأعلى متّصل ببغداد وفيها بلاد متوسطة عدّة ، وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج مشهورة. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٣٧٥).