كل ذلك آلى سرور على نفسه إقامة العدل بين الناس ، وهناك أشياء كثيرة يرويها الناس عن الشريف سرور وحبه للعدل والحكمة ، وقد قام الشريف سرور بطرد اليهود من جدة ، التى جمعوا فيها ثروات طائلة عن طريق المسرة والتدليس ، وحمى الرجل الحجاج أثناء تجوالهم فى الحجاز ، ونظم تحصيل الرسوم الجمركية والضرائب التى سبق فرضها بطريقة عرفية تماما. وبعد أن لقى الرجل ربه ، قام سكان مكة كلهم بتشييع جنازته إلى مثواه الأخير. ولا يزال المكيون ينظرون إلى الشريف سرور باعتباره وليا ، بل إن الوهابيين يوقرون أيضا اسمه ويحترمونه.
العام ١٧٨٥ أو ١٧٨٦ بعد وفاة الشريف سرور خلفه عبد المعين ، أحد إخوانه ، لمدة أربع سنوات أو خمس ، فى حين قام أخوه غالب الأصغر منه سنا ، مستفيدا من مهارته فى التآمر ، ومستفيدا أيضا من ذيوع شجاعته وقدرته على الفهم ، وأقبل على تجريد شقيقه عبد المعين من سلطته وأجبره على التقاعد. كان الشريف غالب ، طوال سنى حكمه الأولى ، أداة فى أيدى عبيد الشريف سرور وطواشيّه ، الذين كانت لهم سلطة كاملة على مكة ، وراحوا يسلكون السلوك المستهتر نفسه ، ويمارسون الظلم والقمع الذى تميز به حكم الأشراف من قبل. ومع ذلك ، سارع غالب إلى تحرير نفسه من نفوذ هؤلاء العبيد ، وأصبحت له ، فى نهاية الأمر ، سلطة قابضة على الحجاز ، وكانت تلك السلطة أكثر حزما وأكثر قوة من سلطات أولئك الذين سبقوه أو جاءوا قبله ، وأفلح غالب فى الإبقاء على هذه السلطة إلى أن وضعت الحروب الوهابية ، وخيانة غالب لمحمد على باشا ، حدا لحكم هذا الرجل (الشريف غالب). كان حكم الشريف غالب أسلس وأعدل من حكم الشريف سرور ، على الرغم من ابتعاد حكم الشريف غالب ابتعادا كبيرا عن إقامة العدل وتحقيق العدالة. صحيح أن الذين أعدموا بأوامر منه كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة ، لكن الرجل أصبح جشعا ، وكان يسمح فى كثير من الأحيان للمجرمين بافتداء حياتهم عن طريق دفع أثمان كبيرة ، أو بالأحرى غرامات باهظة. وتحقيقا لهذا الهدف راح الرجل يملأ سجونه بالمجرمين لكن الدماء كانت تسيل فى تعامل الرجل مع الوهابيين. وأثناء حروب الشريف غالب مع الوهابيين حاول ولدا