للحكومة ، عندما أثرت إجراءاتها على حياة أفراد هذه الهيئة أو أعضائها ، وذلك على الرغم من تقليم أظافر هذه الهيئة على نحو يجعلها لا تثور أو تتمرد إلا عندما يجرى الهجوم أو الاعتداء على أموالها وممتلكاتها.
كانت حكومة الشريف غالب حكومة متساهلة وحريصة على الرغم من الابتزاز المالى الذى كانت تمارسه ، كان الشريف غالب يحترم كبرياء المكيين ، ولم يحاول الاعتداء مطلقا على سلامة الناس أو ثرواتهم ، على الرغم من ترعرع هؤلاء الأفراد فى ظل تلك القواعد التى كان لها تأثير جماعى على الناس كلهم. سمح الشريف غالب لأعدائه اللدودين بالعيش بين أهليهم وعائلاتهم ، كما سمح للناس أيضا بالدخول فى معارك دموية فيما بينهم ، الأمر الذى كان يفضى إلى الثأر ، أو إثارة الأحقاد التى ملأت صدور الناس فى مختلف المناطق ، ضد بعضهم البعض ، وقد وصل الأمر إلى حد اقتتال هؤلاء الناس طوال أسابيع عدة ، مع بعضهم البعض ، مستخدمين فى ذلك ، العصى ، والحراب ، والخناجر ، دون اللجوء إلى الأسلحة النارية.
هؤلاء الأشراف ، أحفاد محمد صلىاللهعليهوسلم ، المقيمون فى مكة وفى المنطقة المجاورة لها ، والمولعون بالسلاح ، ويدخلون فى صراعات مدنية فى معظم الأحوال ، درجوا على إرسال الطفل الذكر ، بعد ثمانية أيام من مولده ، إلى خيمة من خيام البدو المجاورين ، لينشأ مع أطفال الخيمة ، ويتعلم أن يكون بدويا بحق وحقيقة لمدة ثمانى سنوات أو عشر ، أو إلى أن يصبح الطفل قادرا على ركوب الفرس ، وهنا يأخذه والده مرة ثانية ، ولا يسمح للطفل طوال هذه الفترة بزيارة والديه ، أو الدخول إلى البلدة اللهم باستثناء الشهر السادس ، عندما تأخذه الأم البديلة فى زيارة قصيرة إلى أسرته ، لتعود به بعد ذلك مباشرة إلى قبيلتها. هذا يعنى أن الطفل لا يبقى بين يدى أمه ، تحت أى ظرف أكثر من ثلاثين يوما ، يتعين بعدها أخذه إلى القبيلة ، وقد يطول مقام هذا الطفل بين البدو إلى أن يبلغ الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة من عمره ؛ بذلك يتألف الطفل مع كل أخطار الحياة البدوية وتقلباتها ، وهنا يعتاد جسد مثل هذا الطفل على التعب والحرمان ، ويكتسب لغة البدو النقية السليمة ، كما يكتسب أيضا منهم تأثيرا تكون له أهمية كبيرة