فى حياته فيما بعد. هؤلاء البدو لا يوجد بينهم شريف ، بدءا من الشيخ وانتهاء بأفقر فقرائهم ، لأنهم جميعهم تربوا ونشأوا بين البدو ، يضاف إلى ذلك أن الكثيرين يتزوجون من فتيان بدويات. أبناء الشريف الموجود حاليا فى الحكم نشأوا وتعلموا فى قبيلة عدوان ، هؤلاء العدوان شهيرون بالشجاعة والكرم ، لكن هؤلاء العدوان جرى تقليم أظافرهم من ناحية بفعل الحروب الطاحنة التى خاضوها إلى جانب الأشراف ، ومن الناحية الأخرى بفعل الغزو الذى قام به محمد على باشا مؤخرا ، الأمر الذى اضطر هؤلاء العدوان إلى التعجيل بالتخلى عن أراضى الحجاز ، والبحث عن ملجأ وملاذ لهم فى مخيمات قبائل السهل الشرقى. عثمان المضايفة نفسه ، ذلك الشيخ الوهابى الشهير ، والأداة الرئيسية التى يستخدمها سعود فى إخضاع الحجاز ، هو نفسه شيخ من شيوخ العدوان ، والشريف غالب تزوج شقيقة عثمان المضايفة. كان الأشراف الآخرين يرسلون أطفالهم إلى مخيمات قبائل هذيل ، وثقيف ، وبنى سعد ، وقبائل أخرى ، بعض آخر من هؤلاء الأشراف كانوا يرسلون أطفالهم إلى قريش أو حرب.
الخيمة التى يتربى فيها شريف من الأشراف تحظى منه بمعاملة تقوم على احترام أهلها كما لو كانوا والديه وإخوانه ، مثل هذا الشريف ينادى ربها على أنه والده ، وربتها على أنها أمه وأبناؤها على أنهم إخوته ، وهو نفسه يحظى منهم بتسميات مماثلة. وهم عندما يجيئون إلى مكة يقيمون فى منزل تلميذهم ، ولا يغادرون هذا المنزل إلا وهم محمّلين بالهدايا. طوال فترة تلمذة هذا الشريف ، تراه يطلق الاسم إرهام على أقاربه البعيدين من الأسرة البدوية ، وبخاصة أولئك الذين من حقهم مصادقته واهتمامه بهم ، يضاف إلى ذلك أن هذا الشريف ، يعد نفسه طوال حياته ، منتميا إلى ذلك المخيم الذى أمضى فيه السنوات الأولى من حياته ؛ تراه يصف سكان هذا المخيم بقوله : «ناسنا» ، أو «عائلتنا» ويهتم اهتماما كبيرا بكل ما يحدث لهم ، ويزورهم كلما سمح وقته بذلك وبخاصة فى شهور الربيع وفى بعض الأحيان قد يرافقهم فى ترحالهم وتجوالهم وأيضا فى حروبهم.