سأورد هنا بعض الملاحظات عن كل من جدة وسكانها. جدة مقامة على أرض مرتفعة ارتفاعا طفيفا ، وأكثر جوانب جدة انخفاضا هو ذلك الجانب الذى يلامسه البحر ، ومن ناحية شاطئ البحر نجد أن طول ذلك الجانب يصل إلى حوالى ألف وخمسمائة خطوة ، فى حين أن العرض لا يزيد فى أى جانب من جوانب جدة على نصف هذه المسافة ، أى ما يقرب من حوالى سبعمائة وخمسين خطوة. وجدة محاطة من ناحية البر بسور تجرى صيانته بشكل أو بآخر لكنه ليس قويا. هذا السور جرى بناؤه منذ سنوات قلائل فقط ، عن طريق الجهد المشترك بين السكان أنفسهم الذين كانوا يعون أنهم ليسوا فى مأمن من الوهابيين فى وجود ذلك السور القديم شبه المهدم ، والذى بنى فى العام ٩١٧ الهجرى بواسطة قنصوه الغورى سلطان مصر (*). السور الحالى يعد حاجزا أمام العرب الذين ليست لديهم مدفعية ، وعلى مسافة حوالى أربعين خطوة أو خمسين ، تجرى تقوية السور بأبراج للمراقبة وبداخل الأبراج توجد بعض البنادق التى علاها الصدأ. وجرى حول ذلك السور حفر خندق ضيق ، من باب تقوية دفاعات المدينة. من هنا نجد أن جدة تتمتع فى الجزيرة العربية بذيوع صيتها على أنها قلعة يصعب اختراقها أو اقتحامها. على شاطئ البحر ومن أمام المدينة نجد أن السور القديم لا يزال باقيا على ما كان عليه من قبل ، لكنه اعتراه التحلل والقدم. فى الطرف الشمالى وبالقرب من المنطقة التى يلامس البحر عندها السور الجديد نشاهد مبنى أو منزل حاكم المدينة ، وفى الناحية الجنوبية توجد قلعة صغيرة ، مركب فيها ثمانى بنادق أو عشر. وإلى جانب ذلك ، هناك بطارية لحراسة مدخل البلدة من ناحية البحر ، وللسيطرة على الميناء كله. هنا فى هذا المكان نجد قطعة من المدفعية القديمة كبيرة الحجم ، مركبا عليها دانة على شكل كرة تزن حوالى ٥٠٠ رطل ، ويذيع صيت هذه القطعة فى سائر مناطق البحر الأحمر إلى الحد الذى يجعل من هذه الشهرة الذائعة حماية لبلدة جدة نفسها.
__________________
(*) راجع قطب الدين فى كتابه المعنون : تاريخ مكة.