هذا يعنى أنهم يبقون فى مكة أملا فى استعادة صحتهم وقوتهم ، لكنهم يلقون ربهم هنا فى أغلب الأحيان ، وإذا ما كان لهم رفيق أو قريب معهم ، فإنه يحمل معه متعلقات الميت ، نظير دفع أتعاب للقاضى والشريف باعتبارهما وارثى هذا الميت ، يضاف إلى ذلك أن هذه الموروثات تكون غير ذات بال. وأنا عند ما غادرت مكة ، كان لا يزال فيها حوالى ألف حاج ، كان الكثيرون منهم يودون تمضية عام كامل فى المدينة المقدسة ، ويحضروا موسم الحج فى العام التالى ، بعض آخر من هؤلاء الحجاج يمددون إقامتهم لشهور قلائل فقط.
عند مغادرة مكة ، يجب القيام بطواف الوداع والسعى بين الصفا والمروة. والحجاج يقومون بهذين المنسكين عند ما يستعدون للرحيل ، بعدها يركبون إبلهم ، وفى هذه اللحظة تكون فريضة الحج قد انتهت.
الرحلة من مكة إلى المدينة (المنورة)
فى اليوم الخامس عشر من شهر يناير من عام ١٨١٥ م ، تركت مكة مع قافلة صغيرة من قوافل الحجاج المتجهين لزيارة قبر النبى صلىاللهعليهوسلم : كانت القافلة مكونة من خمسة عشر جملا ، مملوكة لبعض بدو قبيلة الريشه وقبيلة زبيد : الذين يؤثرون مصاحبة إبلهم بأنفسهم ، أو يرسلوا معها عبيدا بدلا عنهم. كنت قد استأجرت جملين أحدهما لنقلى والآخر لنقل عبدى ومعه أمتعتى وعفشى ، وكما هى عادة الحجازيين دفعت الأجر مقدما ، بواقع مائة وثمانين قرشا للجمل الواحد. وقد صحبنى إلى خارج المدينة دليلى السياحى ، الذى كنت راضيا عنه تماما ، على الرغم من عدم خلوه من الرذائل سالفة الذكر ، صحبنى الرجل إلى سهل الشيخ محمود ، الذى تجمعت فيه الإبل ، والذى انطلقت القافلة منه عند الساعة التاسعة مساء. الرحلة إلى المدينة شأنها شأن الرحلة من مكة إلى جدة ، تجرى أثناء الليل ، الأمر الذى يجعلها أكثر فائدة للمسافر ، لكنها فى فصل الشتاء تكون أقل راحة عن رحلات النهار.