أي : فلينني ، فاختلف أيّ النونين المحذوفة؟ فقال المبرد : هي نون الوقاية ؛ لأن الأولى ضمير فاعل فلا تحذف ، وهذا هو المختار عندي ورجحه ابن جني والخضراوي وأبو حيان وغيرهم ، وحكى صاحب «البسيط» الاتفاق عليه ، وقال سيبويه : هي نون الإناث واختاره ابن مالك قياسا على (تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤].
قال أبو حيان : هو قياس على مختلف فيه ، ثم هذا الحذف ضرورة لا يقاس عليها كما صرح به في «البسيط» ، قال أبو حيان : وسهله اجتماع المثلين.
(ص) مسألة : الأصل تقديم مفسر الغائب ولا يكون غير الأقرب إلا بدليل وهو لفظه أو ما يدل عليه حسا أو علما ، أو جزؤه أو كله ، أو نظيره أو مصاحبه بوجه ، ويجوز تقديم مكمل معمول فعل أو شبهه على مفسر صريح إن كان مؤخر الرتبة ، ومنع الكوفية نحو : ضاربه ضرب زيد وما رأى أحب من زيد ، والفراء زيدا غلامه ضرب بتصريفه ، والجمهور ضرب غلامه زيدا ، وأجازه الطوال وابن جني وابن مالك ، ويجب تقديم مرفوع باب نعم وأول المتنازعين ومجرور رب ، وما أبدل منه مفسره على الأصح ، قال الزمخشري : أو أخبر عنه به وضمير الشأن ، وهو لازم الإفراد وتذكيره مع مذكر وتأنيثه مع مؤنث أجود ، وأوجب الكوفية وابن مالك التذكير ما لم يله مؤنث أو مشبه به ، أو فعل بعلامة فيرجح تأنيثه ويبرز مبتدأ واسم ما على الأصح فيهما ، ومنصوبا في باب إن وظن ، ويستتر في كان وكاد ، ومنعه قوم ، وإنما يفسره جملة خبرية صرح بجزأيها ، خلافا للكوفية في ظننته قائما وإنه ضرب أو قام ، ولا يتقدم خبره ولا جزؤه ، خلافا لابن السيرافي ولا يتبع بتابع ، وزعمه ابن الطراوة حرفا.
(ش) ضمير المتكلم والمخاطب يفسرهما المشاهدة ، وأما ضمير الغائب فعار عن المشاهدة فاحتيج إلى ما يفسره ، وأصل المفسر الذي عود عليه أن يكون مقدما ؛ ليعلم المعنى بالضمير عند ذكره بعد مفسره ، وأن يكون الأقرب نحو : لقيت زيدا وعمرا يضحك ، فضمير يضحك عائد على عمرو ولا يعود على زيد إلا بدليل ، كما في قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) [العنكبوت : ٢٧] ، فضمير ذريته عائد على إبراهيم وهو غير الأقرب ؛ لأنه المحدث عنه من أول القصة إلى آخرها.
ثم المفسر إما مصرح بلفظه وهو الغالب كزيد لقيته ، وقد يستغنى عنه بما يدل عليه حسا نحو : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) [يوسف : ٢٦] ، و (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) [القصص : ٢٦] ؛ إذ لم يتقدم التصريح بلفظ زليخا وموسى لكونهما كانا حاضرين ، أو علما نحو : (إِنَّا