الثاني : فعل المختص بالنداء كفسق وغدر وخبث ولكع ، فإنها معدولة عن فاسق وغادر وخبيث وألكع ، فإذا سمي بها امتنع صرفها للعلمية ، ومراعاة اللفظ المعدول ، فإن نكرت زال المنع ، وذهب الأخفش وطائفة إلى صرفها حال التسمية أيضا ، كما نقلته عنه أخيرا في قولي : «قال الأخفش : ومعرفة» ؛ لأن العدل إنما هو حالة النداء ، وقد زال بالتسمية.
الثالث : فعل المؤكد به وهو جمع وكتع وبصع وبتع : جمع جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء ، فإنها غير مصروفة للعدل والعلمية ، أما العدل فلأنها من حيث إن مذكرها أفعل ومؤنثها فعلاء قياسها أن تجمع على فعل بسكون العين كما يجمع أحمر وحمراء على حمر ، ومن حيث هي اسم لا صفة قياسها أن تجمع على فعالى كصحارى فيقال : جماعى وكتاعى إلى آخره ، ومن حيث إن مذكرها يجمع بالواو والنون قياسها أن تجمع على فعلاوات ؛ لأن قياس كل ما جمع مذكره بالواو النون أن يجمع مؤنثه بالألف والتاء ، وبهذه الاعتبارات اختلف النحاة ، فقال الأخفش والسيرافي : إنها معدولة عن فعل ، واختاره ابن عصفور ، قال : لأن العدل عن فعالى لم يثبت في موضع من المواضع ، والعدل عن فعل إلى فعل ثبت ، قالوا : ثلاث درع وهو جمع درعاء وكان القياس درعا ، وقال قوم : إنها معدولة عن فعالى ، وقال آخرون : إنها معدولة عن فعلاوات ، واختاره ابن مالك وضعف الأول بأن أفعل المجموع بالواو والنون لا يجمع مؤنثه على فعل بسكون العين ، والثاني بأن فعلاء لا يجمع على فعالى إلا إذا لم يكن مذكره على أفعل وكان اسما محضا ، وقال أبو حيان : الذي نختاره أنها معدولة عن الألف واللام ؛ لأن مذكرها جمع بالواو والنون ، فقالوا : أجمعون كما قالوا : الأخسرون ، فقياسه أنه إذا جمع كان معرفا بالألف واللام ، فعدلوا به عما كان يستحقه من تعريفه بالألف واللام.
قلت : وهذا يقتضي أن يكون جمع المذكر فيه أيضا ممنوع الصرف ؛ لوجود العدل المذكور فيه وتكون الياء فيه علامة الجر على أنها نائبة عن الفتحة وهو غريب ، وأما العلمية فذهب قوم إلى أن ألفاظ التوكيد أعلام بمعنى الإحاطة واستدل لذلك بجمعهم مذكرها بالواو والنون ولا يجمع من المعارف بهما إلا العلم ، واختاره ابن الحاجب ، وذكر آخرون إلى أن تعريفها بنية الإضافة وأن الأصل في رأيت النساء جمع جمعهن ، كما يقال : رأيت النساء كلهن ، فحذف الضمير للعلم به واستغنى بنية الإضافة وصارت لكونها معرفة بلا علامة ملفوظة بها كالأعلام وليست بأعلام ؛ لأن العلم إما شخصي وإما جنسي ، وليست هذه واحدا منهما ، وعلى هذا ابن عصفور ، وعلله بأن الجموع لا تكون أعلاما ، والسهيلي