والنصب على الاستثناء كالمتأخر ، والإتباع فيه هو المختار أيضا مثله ؛ للمشاكلة ، هذا مذهب سيبويه ، واختلف النقل عن المازني فالمشهور عنه موافقة سيبويه ، ونقل ابن عصفور عنه أنه يختار النصب ولا يوجبه ؛ لأن المبدل منه منوي الطرح فلا ينبغي أن يوصف بعد ذلك ، ونقل عنه أيضا أنه يوجب النصب ويمنع الإبدال ، فحصل عنه ثلاثة أقوال ، قال أبو حيان : والنصب حينئذ أجود من النصب متأخرا ، ونقل ابن مالك في شرح «الكافية» عن المبرد اختيار النصب ، ثم قال : وعندي أن النصب والبدل مستويان ؛ لأن لكل واحد منهما مرجحا فتكافئا ، وفي لغة يتبع المؤخر الموجب وخرج عليها قراءة (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) [البقرة : ٢٤٩].
وإذا عاد على المستثنى منه العامل فيه الابتداء أو أحد نواسخه ضمير قبل المستثنى الصالح للإتباع أتبع الضمير العائد جوازا ، وصاحبه اختيارا نحو : ما أحد يقول ذلك إلا زيد ، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيد ، وما حسبت أحدا يقول ذاك إلا زيد ، فيجوز في هذه الأمثلة أن يجعل (زيد) تابعا للمبتدأ ، أو لاسم (كان) ، أو للمفعول الأول ، فيكون بدلا منه وهو المختار ؛ لأن المسوغ للإتباع هو النفي وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى الضمير ، ويجوز أن يجعل تابعا للمضمر فيكون بدلا منه ؛ لأن النفي متوجه عليه من جهة المعنى ، وسواء كان العائد من الخبر كما تقدم أو من الوصف نحو : ما فيهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد ، وما كان فيهم أحد يقول ذاك إلا زيد ، قال أبو حيان : والقياس يقتضي إجراء الحال مجرى الصفة في ذلك نحو : ما إخوتك في البيت عاتبين عليك إلا زيد ، فيجوز إتباع زيد لإخوتك ، أو للمضمر المستكن في (عاتبين) ؛ لأن الحال يتوجه عليها النفي في المعنى ، وسواء في المسألة المتصل أو المنقطع نحو : ما أحد يقيم بدارهم إلا الوحش قال :
٨٨٨ ـ في ليلة لا نرى بها أحدا |
|
يحكي علينا إلّا كواكبها |
فكواكبها بالرفع بدل من ضمير (يحكي) وهو منقطع ، إلا أن أحدا وضميره خاص بالعاقل ، فلو كان العائد بعد المستثنى نحو : ما أحد إلا زيدا يقول ذاك ، أو المستثنى غير
__________________
٨٨٨ ـ البيت من المنسرح ، وهو لأحيحة بن الجلاح في الأغاني ١٥ / ٣١ ، ٣٦ ، (دار الكتب المصرية) والحماسة البصرية ٢ / ١٨٧ ، والخزانة ٣ / ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ولعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، والكتاب ٢ / ٣١٢ ، وله أو لبعض الأنصار في شرح شواهد المغني ص ٤١٧ ، انظر المعجم المفصل ١ / ٧٠.