العرب من يكسر همزة الوصل مع الأصلية أيضا على الأصل ، ولا يتبع وهي لغة شاذة حكاها ابن جني في «المنصف» وتشم الهمزة الضم قبل الضمة المشمة نحو : انقيد واختير على لغة الإشمام ، ولا تثبت همزة الوصل غير مبدوء بها إلا في ضرورة كقوله :
١٨٠٧ ـ إذ جاوز الإثنين سرّ فإنّه |
|
بنثّ وتكثير الحديث قمين |
وكثر قطعها في أوائل أنصاف الأبيات ؛ لأنها إذ ذاك كأنها في ابتداء الكلام كقوله :
١٨٠٨ ـ لا نسب اليوم ولا خلة |
|
إتّسع الخرق على الراقع |
وقد اختلف في همزة الوصل هل وضعت همزة؟ فقال ابن جني : نعم ، وقيل : يحتمل أن يكون أصلها ألفا ، وإنما قلبت همزة لأجل الحركة ، فقال الفارسي وغيره : اجتلبت ساكنة وكسرت لالتقاء الساكنين ، وعلله الشلوبين بأن أصل الحروف السكون ، وقيل : اجتلبت متحركة ؛ لأن سبب الإتيان بها التوصل إلى الابتداء بالساكن فوجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها ، وأحق الحركات بها الكسرة ؛ لأنها راجحة على الضمة بقلة الثقل ، وعلى الفتحة بأنها لا توهم استفهاما ، وقال الكوفيون : حركتها للإتباع فكسرت في اضرب إتباعا للكسرة ، وضمت في اخرج إتباعا للضمة ، ولم تتبع في المفتوح لئلا يلتبس الأمر بالخبر ، وإذا وقعت همزة الوصل المفتوحة بعد همزة الاستفهام كقوله تعالى : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) [الأنعام : ١٤٣] ، فقد كان حقها أن تحذف كما يحذف غيرها من همزات الوصل إذا وليت همزة الاستفهام كقوله تعالى : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) [الصافات : ١٥٣] ، لكنه كان لا يعلم أهي همزة الاستفهام أم همزة أل لو حذفت ، وبدئ بها فعدل عن ذلك إلى إبدالها ألفا أو تسهيلها ، وذهب أبو عمرو بن عظيمة إلى أن همزة الاستفهام حذفت على الأصل ، وأن المدة ليست بدلا منها وإنما هي مدة زائدة للفرق بين الاستفهام والخبر ، ويرده وجه «التسهيل» ، وقال المهاباذي : إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل حذفت إلا أن تكون مفتوحة كالتي مع لام التعريف وايمن وايم ، فإنها تثبت ألفا في هذه الثلاثة.
__________________
١٨٠٧ ـ البيت من الطويل ، وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه ص ١٦٢ ، وحماسة البحتري ص ١٤٧ ، وسمط الآلي ص ٧٩٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٨٣ ، ولسان العرب ٢ / ١٩٤ ، مادة (نثث) ، ١٣ / ٣٤٧ ، مادة (قمن) ، ١٤ / ١١٧ ، مادة (ثني) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٦٦ ، ونوادر أبي زيد ص ٢٠٤ ، ولجميل بثينة في ملحق ديوانه ص ٢٤٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ١٠٠٤ ، وفي نسخة (الوشاه) مكان (الحديث).
١٨٠٨ ـ تقدم الشاهد برقم (١٦٧٢).