بحفره ، وهو في الجبل الآخذ على شرقيّ النيل في منقطع من البرّ لا عمارة عنده ، ولا قريبا منه ، والماء عنه مسيرة نصف يوم ؛ وهذا المعدن في صدر مغارة طويلة في حجر أبيض منه ، يضرب فيستخرج منه الزمرّد ؛ وهو كالعروق فيه.
قال : وأكثر محاسن مصر مجلوبة إليها ؛ حتّى بالغ بعضهم فقال : إنّ العناصر الأربعة مجلوبة إليها : الماء وهو النيل مجلوب من الجنوب ، والتّراب مجلوب من حمل الماء ؛ وإلا فهي رمل محض لا ينبت ، والنّار لا توجد بها شجرتها وهو الصوّان إلا إذا جلب إليها ، والهواء لا يهبّ إليها إلا من أحد البحرين ، إمّا الروميّ وإمّا الخارج من القلزم إليها.
وهي كثيرة الحبوب من القمح والشعير والفول والحمّص والعدس والبسلّة واللّوبياء والدّخن (١) والأرزّ ، وبها الرّياحين الكثيرة كالحبق والآس والورد وغيرها ، وبها الأترجّ والنّارنج والليمون والحامض والكبّاد والموز الكثير وقصب السكّر الكثير والرّطب والعنب والتّين والرّمان والتّوت والفرصاد (٢) والخوخ واللّوز والجمّيز والنّبق والبرقوق والقراصيا والتّفاح. وأما السّفرجل والكمّثرى فقليل ؛ وكذل الزّيتون مجلوب إلّا قليلا في الفيوم ، وبها البطّيخ الأصفر أنواع والأخضر والخيار والقثّاء على أنواع ، والقلقاس واللّفت والجزر والقنّبيط والفجل والبقول المنوّعة.
وبها أنواع الدوابّ من الخيل والبغال والحمير والبقر والجواميس والغنم والمعز. ومما يوصف من دوابّها بالجودة الحمر لفراهتها ، والبقر والغنم لعظمها ، وبها الأوزّ والدّجاج والحمام ، ومن الوحش الغزلان والنّعام والأرنب ؛ وأما من أنواع الطير فكثير كالكركيّ وغيره.
وأوسط الأسعار في غالب أوقاتها الإردبّ القمح بخمسة عشر درهما ، والشعير بعشرة ، وبقيّة الحبوب على هذا الأنموذج ؛ وأما الأرزّ فيبلغ أكثر من ذلك ، وأما اللحم فأقلّ سعره الرطل بنصف درهم.
ويعمل بمصر معامل كالتّنانير ، ويعمل بها البيض بصنعة ؛ ويوقد بنار يحاكى بها نار الطبيعة في حضانة الدجاجة البيض ، ويخرج في تلك المعامل الفراريج ، وهي معظم دجاجهم. وبها ما يستطاب من الألبان والأجبان ، وبها العسل بمقدار متوسّط بين الكثرة والقلّة ، وأمّا السّكر فكثير جدّا ، وقيمته المعهودة على الغالب من السّعر الرطل بدرهم
__________________
(١) الدخن : نبات من فصيلة النجيليات ، حبّه صغير يقدم طعاما للطيور والدجاج. (المنجد).
(٢) الفرصاد : التوت.