وقال الكنديّ في فضل مصر : بمصر العجائب والبركات ، فجبلها المقدّس ، ونيلها المبارك ، وبها الطّور الّذي كلّم الله عليه موسى ؛ فإنّ أهل العلم ذكروا أنّ الطّور من المقطّم ، وأنّه داخل فيما وقع عليه القدس ؛ قال كعب : كلّم الله موسى عليهالسلام من الطّور إلى أطراف المقطّم من القدس. وبها الوادي المقدّس ، وبها ألقى موسى عصاه ، وبها فلق البحر لموسى ، وبها ولد موسى وهرون ، وبها ولد عيسى ، وبها كان ملك يوسف ، وبها النّخلة التي ولدت مريم عيسى تحتها بريف من كورة أهناس ، وبها اللّبخة التي أرضعت عندها مريم عيسى بأشمون ، فخرج من هذه اللّبخة الزيت ، وبها مسجد إبراهيم ، ومسجد يعقوب ، ومسجد موسى ، ومسجد يوسف ، ومسجد مارية سريّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حفن ، أوصت أن يبنى بها مسجد فبني ، وبها مجمع البحرين وهو البرزخ الذي قال الله : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) [الرحمن : ٢٠] ، وقال : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) [الفرقان : ٥٣].
وقال غيره : لأهل مصر القلم المعروف بقلم الطير ، وهو قلم البرابي ، وهو قلم عجيب الحرف.
قال : ومصر عند الحكماء العالم الصغير ، سليل العالم الكبير ؛ لأنّه ليس في بلد غنيّ غريب إلّا وفيها مثله وأغرب منه ، وتفضل على البلدان بكثرة عجائبها ومن عجائبها النّمس ؛ وهو أقتل للثعابين بمصر من القنافذ للأفاعي بسجستان (١).
وبمصر جبل يكتب بحجارته كما يكتب بالمداد ، وجبل يؤخذ منه الحجر ، فيترك في الزّيت فيقد كما يقد السراج.
ويقال : إنه ليس على وجه الأرض نبت ولا حجر إلا وفي مصر مثله ، وليس تطلب في سائر الدنيا الأموال المدفونة إلّا بمصر.
ويقال : إنّ بمصر بقلة ؛ من مسّها بيده ثمّ مسّ السمك الرّعاد لم ترعد يده ، وبها حجر الخلّ يطفأ على الخلّ. وبها حجر القيء إذا أمسكه الإنسان بيديه تقيّأ كلّ ما في بطنه ، وبها خرزة تجعلها المرأة على حقوها فلا تحبل. وبها حجر يوضع على حرف التّنّور فيتساقط خبزه ، وكان يوجد بصعيدها حجارة رخوة تكسر فتقد كالمصابيح.
ومن عجائبها حوض كان بدلالات مدوّن من حجارة.
__________________
(١) انظر النجوم الزاهرة : ١ / ٥٤.