وقعت في أرض من ذهب جبالها وأشجارها وسهولها من ذهب ، فيها ينتهي إليك علم النّيل.
فسار حتى انتهى إلى أرض الذّهب ، فسار فيها حتّى انتهى إلى سور من ذهب وشرفة من ذهب ، وقبّة من ذهب ، لها أربعة أبواب ؛ فنظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السّور حتّى يستقرّ في القبّة ثمّ ينصرف في الأبواب الأربعة : فأمّا ثلاثة فتغيض في الأرض ، وأمّا واحد فيسير على وجه الأرض ؛ وهو النيل. فشرب منه واستراح ، وأهوى إلى السّور ليصعد ، فأتاه ملك فقال له : يا حامد قف مكانك ، فقد انتهى إليك علم هذا النيل ؛ وهذه الجنّة ؛ وإنّما ينزل من الجنّة ، فقال : أريد أن أنظر إلى الجنّة ، فقال : إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حامد ، قال : فأيّ شيء هذا الذي أرى؟ قال : هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر ، وهو شبه الرحى ، قال : إنّي أريد أن أركبه فأدور فيه ـ فقال بعض العلماء : إنّه قد ركبه ؛ حتّى دار الدنيا وقال بعضهم : لم يركبه ـ فقال له : يا حامد ؛ إنه سيأتيك من الجنّة رزق ، فلا تؤثر عليه شيئا من الدّنيا ، فإنّه لا ينبغي لشيء من الجنّة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا إن لم تؤثر عليه شيئا من الدنيا بقي ما بقيت.
قال : فبينا هو كذلك واقف ، إذ نزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف ؛ لون كالزبرجد الأخضر ، ولون كالياقوت الأحمر ، ولون كاللؤلؤ الأبيض ، ثمّ قال له : يا حامد ، أما إنّ هذا من حصرم الجنّة ، وليس من طيب عنبها ، فارجع يا حامد ، فقد انتهى إليك علم النيل ؛ فقال : هذه الثلاثة الّتي تغيض في الأرض ، ما هي؟ قال : أحدها الفرات ، والآخر دجلة ، والآخر جيحان ، فارجع.
فرجع حتّى انتهى إلى الدابّة التي ركبها ، فركبها ، فلمّا أهوت الشمس لتغرب قذفت به من جانب البحر ، فأقبل حتّى انتهى إلى عمران ، فوجده ميّتا فدفنه ، وأقام على قبره ثلاثا ؛ فأقبل شيخ متشبّه بالناس أغرّ من السجود ، ثمّ أقبل إلى حامد ، فسلّم عليه ، ثمّ قال له : يا حامد ؛ ما انتهى إليك من علم هذا النيل؟ فأخبره ، فلمّا أخبره ، قال له : هكذا نجده في الكتب ، ثمّ أطرى (١) ذلك التفّاح في عينيه ، وقال : ألا تأكل منه؟ قال : معي رزقي ، قد أعطيته من الجنّة ونهيت أن أؤثر عليه شيئا من الدنيا ، قال : صدقت يا حامد ، هل ينبغي لشيء من الجنّة أن يؤثر بشيء من الدنيا ، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح؟ إنّما أنبتت له في الأرض ليس من الدنيا ، وإنّما هذه الشجرة من الجنّة ، أخرجها الله لعمران يأكل منها ، وما تركها إلّا لك ، ولو قد وليت عنها رفعت ، فلم يزل
__________________
(١) أطرى التفاح : أحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.