بلغ ستة عشر ذراعا استحقّ السلطان الخراج ، وإذا بلغ ثمانية عشر ذراعا قالوا : يحدث بمصر وباء عظيم ، وإذا بلغ عشرين ذراعا مات ملك مصر.
وقال ابن المتوّج : من عجائب مصر النّيل الذي يأتي من غامض علم الله في زمن القيظ فيعمّ البلاد سهلا ووعرا ، يبعث الله في أيام مدده الريح الشمال فيصدّ له البحر المالح ، ويصير له كالجسر ، ويزيد. وإذا بلغ الحدّ الذي هو تمام الرّيّ وأوان الزراعة ، بعث الله بالريح الجنوب فكنسته ، وأخرجته إلى البحر الملح ، وانتفع الناس بالزراعة.
ومن عجائب هذا النيل سمكة تسمى الرّعاد (١) من مسّها بيده أو بعود متّصل بيده أو جذب شبكة هي فيها ، أو قصبة أو سنّارة وقعت فيها رعدت يده ما دامت فيها ، وبمصر بقلة من مسّها بيده ، ثم مسّ الرّعاد لم ترعد.
وفي النيل خيل تظهر في بلد النوبة ، ويصيدونها ، وفي سنّ من أسنانها شفاء من وجع المعدة.
وقال التّيفاشيّ : سبب زيادة النيل هبوب ريح يسمى الملثن ، وذلك لسببين أحدهما أنّها تحمل السحاب الماطر خلف خط الاستواء فتمطر ببلاد السودان والحبشة والنوبة ، والآخر أنّها تأتي في وجه البحر الملح ، فيقف ماؤه في وجه النيل ، فيتراجع حتّى يروي البلاد. وفي ذلك يقول الشاعر :
اشفع فللشافع أعلى يد |
|
عندي وأسنى من يد المحسن |
والنّيل ذو فضل ولكنّه |
|
الشّكر في ذلك للملثن |
وقال صاحب سجع الهديل : ذكر جماعة من المنجمين وأرباب الهيئة أنّ النيل يجيء من خلف خط الاستواء بإحدى عشرة درجة ونصف ، ويأخذ نحو الجنوب إلى أن ينتهي إلى دمياط والاسكندريّة وغيرهما عند عرض ثلاثين في الشمال ، قالوا : فمن بدايته إلى نهايته اثنتان وأربعون ومائة درجة ؛ كلّ درجة ستون ميلا وثلث بالتقريب ، فيكون طوله من الموضع الذي يبتدئ منه إلى الموضع الذي منه إلى البحر الملح ثمانية ألف ميل وستمائة وأربعة عشر ميلا وثلثا ميل على القصد والاستواء ، وله تعريجات شرقا وغربا ، يطول بها ويزيد على ما ذكرناه.
ونقلت من خط الشّيخ عز الدين بن جماعة من كتاب له في الطبّ ، قال : منبع النيل من جبل القمر وراء خط الاستواء بإحدى عشرة درجة ونصف ، وامتداد هذا الجبل
__________________
(١) في النجوم الزاهرة : ١ / ٤٨ : الرعّادة.